لو أن إنساناً شتمك أو شتم أحداً أمامك، فإنك في الحالتين تواجه حدثاً يخرق الاحترام ويجرح الكرامة! ليس احترام من وُجِّهت له الشتيمة أو كرامته بمفرده، بل احترام النظام والأخلاق والمعاني التي تقوم عليها علاقات ذات دلالة حضارية بين الناس. ومعنى ذلك أنه حدث يخرق الاحترام ويجرح الكرامة لمن حضر الشتيمة ولمن غاب عنها، وللمشتوم والشاتم على حد سواء. قُل: لعله يشتم من أخطأ في حقه، أو أخطأ في حق غيره، أو أخطأ في حق المجموع. وأقول لك: أي خطأ هذا الذي يسيغ الشتيمة أو يوجبها؟! قد يستدعي الخطأ العتاب لا الشتيمة، وقد يكون الخطأ أكبر فتكون الحاجة إلى الاحتجاج واللوم، وليس الشتيمة. أما إذا تجاوز الخطأ هذا وذاك فكان أكبر من أن يعالجه عتاب أو احتجاج أو لوم، فليس له من علاج إلا أخذ الحق من المخطئ، وإيقاع العقوبة عليه، بموجب النظام والإجراءات المرعية. وعلى ذلك فلا مكان للشتائم إلا قاموس السفه والسوقية وخارج كل دلالة حضارية وحقوقية. ومناسبة هذا الكلام ما تعرض له موظف متطوع في سوق عكاظ من شتيمة من قبل عضو في مجلس الشورى، حضر ضيفاً على السوق. والقصة فيما نقلته جريدة الحياة 2012/9/17م، عن الكاتب محمد بن سليمان الأحيدب الذي كان شاهد عيان على الحادثة مع كثيرين، كانت «لمجرد أنه أجلسه أو أجلس زميله في مكان اتضح أنه لضيف آخر». يقول الأستاذ الأحيدب: «استدعى عضو الشورى هذا الشاب مرتين، مرة ليوبخه ويخبره أن صاحب الكرسي حضر، ويوجه إليه عبارة «أنت قليل أدب وغير متربٍ» مرتين، والثانية استدعاه ليسأله عن اسمه، ثم يهدده بالشكوى للدكتور سعد مارق أمين عام سوق عكاظ عبر رسالة جوال، ويعيد العبارة نفسها». ويضيف الأستاذ الأحيدب أن الشاب لم يتلفظ في مقابل ذلك بغير عبارة: «أنا آسف، والله حصل تغيير بعد المغرب، وظننت الأسماء تغيرت، وحقكم علي». و»لم تحدث أي مشكلة أو تذمر، لا من زميل هذا العضو ولا من الضيف صاحب المكان». هكذا تبدو الشتيمة من سعادة العضو بدلالة غاية في الإساءة للشاب والجناية عليه، فماذا ترك سعادته لهذا الشاب من احترام وكرامة بعد أن نفى عنه الأدب والتربية؟! وأي بلاغة في الإساءة وإمعان في الشتم ينجمان عن تكراره للعبارة ثلاث مرات وأمام مرأى الحضور ومسمعهم؟! أما الشكوى لأمين السوق، وهو زميل سعادته في عضوية مجلس الشورى، فتأخذ بعداً تسلطياً فاجعاً بسبب مايبتغيه سعادته من نصرة هذه الزمالة على الشاب. وهذا كله إساءة إلى الشاب في موضع السؤال عمن ينصفه؟ بل حق للكرامة الاجتماعية والإنسانية يغدو الإنصاف لهذا الشاب إحقاقاً لها. حسناً يا سعادة العضو، إن إساءتك لا تقتصر على موظف عكاظ الشهم، بل تتعداها إلى مجلس الشورى الذي تنتمي إليه، مثلما تنتمي ثُلَّة من الكفاءات الفاضلة، فماذا هو صانع بما ألحقته به وبهم من إساءة؟!.