قدم لي صديقي لقطة من اليوتيوب في معركة جرت بجنب الرقة في هذا الشهر (سبتمبر 2012م) بين الجيش الحر والجيش النظامي السوري. حيث سقط حاجز أمني تابع لعصابات الأسد المسلحة. قال لي فريق هرب، وفريق أسر، وثالث لاقى حتفه. تأملت المقطع حزيناً. غرف قميئة مثقبة الجدران. بقايا ملابس سخيفة وأحذية ملقاة هنا وهناك لمجموعة من الجنود البؤساء المنكوبين. تلال من الرمال تحصنوا خلفها يقاتلون عن عائلة مافيوية اسمها الأسد تتحكم في البلد. حيطان الغرف البيضاء كأنها غربال من طلقات الرصاص ومن النوع الكبير. أخيراً سلط المصور الفيلم على جثث ملقاة هنا وهناك كالكلاب والذباب. قال المعلق يذكر انتصاراته على جرذان الأسد، أما أنا فغرقت في بركة من التأملات والأحزان والأسئلة المتلاحقة. إنها الحرب. كل فرد من هؤلاء التعساء الذين ماتوا برخص التراب من أجل لا قضية. من أين أتوا؟ ومن هن أمهاتهم؟ كيف سيتلقون خبر موت أولادهن الشباب الذين ذهبوا لقضاء خدمة العلم التعيسة؟ في سبيل ماذا؟ من أجل أن يبقى الأسد في سدة الحكم ولو على جبال من الجثث وأوقيانوس من الدماء؟ كيف استقبلوا الموت؟ كم استولى عليهم الفزع؟ ما هي آخر أحلامهم قبل آخر طلقة رست في صدورهم؟ في معركة سخيفة بدون أي مبرر وبدون هدف وبدون ثمن ومن أجل اللامعنى والعبث؟ حين أتذكر ميتة من هذا النوع وأتذكر موت الصحابة الأجلاء في معركة وصفها الرب: (ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حَيَّ عن بينة). أقول هكذا هي المعارك أما ما يجري في سوريا فهي حرب داخلية عبثية يُسفك فيها دم الإنسان من أجل لا شيء. إنها عين الحرب العبثية بين أبناء الوطن الواحد. أكرر في نفسي ألم يكن بالإمكان أن تحل المشكلات بأفضل من القتل والقتال؟ ألا لعنة الله على الكرسي المستبد والسلطة المستبدة والصراع على الكرسي والسلطة. حالياً مات في سوريا بأشنع صورة مائة ألف ربما! وتهدم مليون بيت ربما! ونزح ربما خمسة ملايين من بيوتهم حذر الموت إلى المجهول. النازحون خارج سوريا وصلت أعدادهم إلى مئات الآلاف، والرقم مرشح أن يصل إلى الملايين، مذكراً بمأساة البوسنة في تسعينيات القرن الفائت! لم أكن أتصور أن تصل الأمور إلى هذه الحافة في بلدي والأمور مرشحة أن تصعد ذرى جديدة. هل اقتربت الأزمة من نهايتها؟ أم أننا مازلنا في بدايتها حتى تشبع الأرض دماً؟!يبدو لي كما يقول المثل إذا ما خربت ما بتعمر. يبدو أن الدعم الإيراني والسلاح الروسي والتطمين الصيني ومساندة المالكي العراقي وحزب الله من لبنان سوف يحيل سوريا كما تحولت ألمانيا في حرب الثلاثين عاماً إلى بلد خراب يباب قاع ينعق فيها الغربان قبل أن يغادر الأسد الغابة وليس ثمة فرائس يتغذى عليها. إن كلفة الحرية غالية جداً جداً. وعلى كل أهل حارة ومدينة أن ينصبوا أمام كل مدخل أسماء كل من ماتوا في هذا الطريق للعبور من فناء العبودية إلى فضاء الحرية، ولكن على قنطرة من جثث وجماجم وعظام، فوق نهر من عرق ودموع ودماء.