مجيب الرحمن العمري اكتب هذا المقال من جوار بيت الله الحرام بمكة المكرمة بعد أن مَنَّ الله عليَّ بزيارته والاستمتاع بالأجواء الروحانية داخله، وقد كنت أتهيأ للكتابة عن اليوم الوطني بعد أن أعود من هذه الزيارة الروحانية الإيمانية، ولكنني وأنا داخل هذا المكان الطاهر كنت أرى منجزاً رائعاً لبلادي في جنبات الحرم الشريف، فوددت أن يكون حديثي عن اليوم الوطني تذكيراً بما أنجزته بلادنا من توسعات لهذا الحرم الطاهر الشريف حيث يشير تاريخ ملوك هذه البلاد المشرَّف إلى أن التوسعات التي قامت منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- بدأت بأعمال الترميم ورصف المسعى وبقية أعمال الإعمار التي تمت خلال فترة حكمه -رحمه الله-، أعقبت ذلك مراحل التوسعات الثلاث في عهد الملك سعود والملك فيصل والملك خالد -رحمهم الله- جميعاً إلى أن جاءت توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي وضع حجر الأساس للتوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام في اليوم الثاني من شهر صفر عام 1401ه-1989م وقد تضمَّنت ضم منطقة السوق الصغير، وتم ربطه بالتوسعة السعودية الأولى بمدخل واسع يسهل الحركة بينهما، كما تم عمل نظم تبريد، حيث أنشئت محطة تكييف المسجد الحرام بمنطقة أجياد وتم ربطها بالمسجد الحرام عبر أنفاق تحت الأرض وبلغت مساحة أدوار المبنى الجديد نحو 76 ألف متر مربع ليتسع وحده لأكثر من 152 ألف مصلٍ، كما شمل المشروع تجهيز الساحات الخارجية التي تبلغ مساحتها 85 ألف متر مربع لتستوعب قرابة 200 ألف مصلٍ، لتصبح مساحة المسجد الحرام بعد إضافة مبنى التوسعة والأسطح وكامل المساحات المحيطة به نحو 356 ألف متر مربع تتسع لأكثر من 775 ألف مصل في غير أوقات الذروة، التي تصل إلى مليون و250 ألف مصلٍ فيما بلغت تكلفة التوسعة التي تشمل المباني ومشاريع الخدمات وتعويض نزع الملكيات إلى أكثر من 55 مليار ريال. ويضم مبنى التوسعة مدخلاً رئيساً هو باب الملك فهد بن عبدالعزيز و18 مدخلاً عادياً وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للقبو إضافة إلى المداخل الأربعة، ويشمل مبنى التوسعة مئذنتين جديدتين بارتفاع 89م تماثلان في تصميمهما المعماري وفي مواد البناء المستخدمة المآذن السبع القائمة.ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم تمت إضافة مبنيين للسلالم الكهربائية المتحركة مساحة كل واحدة منهما 375م2 وطاقة كل منهما الاستيعابية 1500 شخص في الساعة تضاف إلى هذا مجموعتان من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيس للتوسعة وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تستطيع بالإضافة إلى وحدات الدرج الثابت الثمان خدمة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة لاسيما كبار السن وبذلك أصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة 7 تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح وتم تبليط التوسعة جميعها بالرخام حتى يتسنى استخدامها للصلاة وخصوصا في أوقات الذروة، وهناك ثلاث قباب في التوسعة الجديدة ارتفاع كل منها 12م تحتوي على فتحات بكامل محيطها وشكلها الخارجي مماثل للقباب الموجودة على سطح الحرم الحالي واستحدث نظام جديد لتلطيف الهواء بالطابقين الأرضي والأول على مبدأ دفع الهواء البارد وتوزيعه على مستوى مرتفع حول الأعمدة المربعة وقد أقيمت من أجل ذلك محطة تحتوي على عدد من أجهزة التبريد ومضخات المياه المثلجة ومركز تشغيل وتحكم آلي بطاقة تبلغ 13500 طن تبريد وقد تم أيضاً إنشاء نفق للخدمات يربط بين المحطة المركزية والحرم المكي بطول 450م ويحتوي على مواسير معزولة ناقلة للمياه وهو مجهز أيضاً بجميع وسائل الإضاءة والتهوية وأجهزة السيطرة والتحكم الآلي بالإضافة لعدد من الخدمات الأخرى التي اشتملت على تصريف مياه الأمطار ومجمعات لدورات المياه وشبكات الإطفاء والسلامة. تلى ذلك التوسعة العملاقة التي دشّنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليستوعب أكثر 1.2 مليون مصلٍ. وتزيد هذه التوسعة بمرة ونصف على مجموع التوسعات التي شهدها الحرم المكي الشريف، وتبلغ تكلفتها 80 مليار ريال، وتشمل التوسعة المقترحة للحرم المكي ضمان مرونة عالية في دخول الحرم والخروج منه، إلى جانب وفرة المياه والطاقة والتكييف، وكذلك ضمان مستويات بيئة قياسية، وغطاء أمني شامل نسأل أن تتكلل تلك الجهود بالتوفيق والنجاح، إنها الجهود الحثيثة المتوالية التي قام بها ولاة أمرنا من آل سعود -حفظهم الله- لينعم الزائر والمعتمر والحاج بالراحة التامة، ويعيش أجواء إيمانية دون كدر أو إزعاج وهاهو اليوم الوطني يمر علينا ليذكرنا بإنجازات رائعة لهذا الوطن وعلى رأسها خدمة الحرمين الشريفين التي نحمد الله سبحانه على أن مَنَّ الله بها علينا واختارنا لها لتكون تشريفاً وأجراً بإذن الله لحكومة هذا الوطن وشعبه الكريم .