بعد ان تواصلت سلسلة التوسعات في العهد السعودي الزاهر التي سجلت بأحرف من نور على صفحات تاريخ عمارة المسجد الحرام على مر العصور , أرّخت صوراً مختلفة ومتعددة لاهتمام وعناية الحكومة السعودية بتوسعة وعمارة الحرمين الشريفين لمواكبة الزيادة المطردة في أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار, وهذا ما تحدثنا عنه في الحلقات الماضية. وما سنتحدث عنه اليوم حول ما شهده عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله من انجازات لا مثيل لها تمثلت في تنفيذ أضخم توسعة في تاريخ الحرمين الشريفين وامتدت عنايته لتشمل المدينتين المقدستين والمشاعر المقدسة وجميع المرافق والخدمات المساندة التي توفر لضيوف الرحمن والمعتمرين والزوار أفضل وأرقى السبل الكفيلة براحتهم وأمنهم. فكان مشروع التوسعة الكبرى للمسجد الحرام بمثابة الحلم الذي راود الملك فهد بن عبدالعزيز منذ أن تولى أمور البلاد سنة 1402ه ,وظل معه حتى وضع حجر الأساس للمشروع الى ان أصبح ذلك الحلم في عهده رحمه الله حقيقة قائمة متمثلة في عمارة الحرمين الشريفين ورعايتهما.وانطلاقا من توجيهات الملك فهد اجريت الدراسات الخاصة بالتوسعة على اعلى المعايير المهنية والهندسية حيث وضعت التصاميم في صورتها النهائية بعد اطلاع خادم الحرمين الشريفين عليها وإجازتها مفتتحاً باسم الله وعلى بركة الله سائلاً رب العزة والجلال ان يجعلها خيراً وبركة على المسلمين. حلم تحقق .. ويوم لن ينسى لن ينسى التاريخ ذلك اليوم الموافق الثلاثاء 2/2/1409ه والذي قام فيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بوضع حجر الأساس للمشروع الذي يهدف منه توسعة المسجد الحرام المبارك أقصى توسعة ممكنة لرفع طاقته الاستيعابية إلى أكبر حد ممكن وذلك لتوفير مزيد من الأماكن للصلاة في المسجد أو فيما حوله من الساحات والذي يأتي في قمة الإنجازات التي شهدها المسجد الحرام ليصبح استيعابه لأكثر من مليون مصلٍ بالإضافة إلى ما شهدته المنطقة المركزية المحيطة من حركة الإنشاء والتعمير وبذلك توج رحمه الله بهذه التوسعة العملاقة كل تلك التوسعات السابقة للحرمين الشريفين التي تعد تجسيداً حياً للاهتمام الكبير من آل سعود الذين ساروا على نفس نهج والدهم المؤسس لهذا الكيان (رحمهم الله جميعا) وجعل ما قاموا به في ميزان حسناتهم لما قاموا به من الاعمال الجليلة حيث أدوا واجبهم تجاه دينهم ووطنهم وشعبهم وامتهم دونما انتظار شكر أو ثناء من أحد وانما رجاء المثوبة والاجر من عند الله تعالى واحتسابا لما لديه بخير الاعمال وصالحها . وفي 8/6/1409ه تبدأ الاعمال لتسير التوسعة نحو التصاعد الانجازي بمتابعة دائمة ومستمرة ومباشرة من خادم الحرمين الشريفين شخصياً من خلال الزيارات الدورية الميدانية للاطلاع على المراحل المنجزة وملاحظته على هذه المراحل واحيانا يستدعي الامر اجراء بعض التعديلات او في استبدال نوعية خامة بأخرى افضل وأجود منها على وجه الارض والتوجية بتسريع العمل لانهاء التوسعة وفق المدة التي حددت لها وحث العاملين على بذل المزيد من الجهد والعمل لكي يكون الحرمان الشريفان في احسن شكل وبأرقى تقنية وأميز تناسق في عناصر العمارة والبناء والربط المحكم والمتناسق فيما بين التوسعتين السعودية والبناء العثماني القديم وهذا ما كان في اولويات اهتماماته رحمه الله. توسعة المسجد الحرام وقد تحققت كل هذه المستويات بفضل من الله ثم بمتابعة المليك الدؤوبه وبالعمل المخلص الذي قام به المهندس بكر محمد بن لادن الذي جسّد تلك التوسعة بوصفها ( بالعقد .. وخرزاته الحب .. وخيطه الاصالة .. ومحبسه الثقة التي احاطت منظومتها عنق والده برقة وكرم القائد المؤسس طيب الله ثراه) حيث تعتبر التوسعة والعمارة التي شهدها المسجد الحرام معلماً إسلامياً شامخاً ستظل تردده الأجيال المسلمة شاهداً على ما تقوم به المملكة العربية السعودية من أعمال جليلة تهدف في مجملها خدمة الإسلام والمسلمين والمتمثلة في إضافة جزء جديد إلى المبنى السابق للمسجد من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغير بين باب العمرة وباب الملك وتبلغ مساحة أدوار هذا المبنى حوالي 76000 متر مربع موزعة على الدور الأرضي والدور الأول والقبو والسطح بحيث تتسع لحوالي 152000 مصلٍ وتشمل التوسعة تجهيز الساحات وتبليطها بالرخام الأبيض ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغير والساحة المجاورة لجهة الشامية والساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ 85800 متر مربع وتستوعب حوالي 190 ألف مصلٍ. وتعد هذه التوسعة الأخيرة درة الاعمال الجليلة التى اضطلعت بها حكومة المملكة فى خدمة الاسلام والمسلمين على مر العصور فما يحظى به المسجد الحرام من عنايه ومكانه تفتخر بها كافة الشعوب الاسلامية ينطلق من ايمان قادة هذه البلاد العميق بشرف الأمانة والمسئولية اللتين تنتهجهما هذه الدولة تجاه الامة الاسلامية قولاً وفعلاً لتسهيل أداء المسلمين لمناسكهم وتوفير الامن والطمأنينة لهم ويجسد هذه العناية والرعاية واقع الحرمين الشريفين الذى يلمسه المسلمون فى مشارق الارض ومغاربها. المساحة الإجمالية وبذلك اصبحت مساحة الحرم المكي شاملة مبنى المسجد والأسطح والساحات حوالي 356000 متر مربع وتتسع لحوالي 773 ألف مصلٍ بينما يمكن أن يصل عدد المصلين في أوقات الذروة لأكثر من مليون مصلٍ . وقد روعي في تنفيذ هذا المشروع أن يكون متميزاً في التصميم والتنفيذ مترابطاً مع المبنى العام للحرم من حيث التصميم المعماري . ولتسهيل صعود أفواج المصلين إلى سطح التوسعة تمت إضافة مبنيين للسلالم المتحركة أحدهما في شمال مبنى التوسعة والآخر في جنوبه مساحة كل منهما 375 متراً مربعاً ويحتوي على مجموعتين من السلالم المتحركة طاقة كل منهما 1500 شخص في الساعة الواحدة إضافة إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تساند وحدات الدرج الثابت الاخرى في خدمة حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة لاسيما كبار السن . وبذلك يصبح إجمالي عدد السلالم المتحركة تسعة سلالم منتشرة حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح . وتضمنت تلك التوسعة انشاء نفق السوق الصغير الذى يمتد من ميدان الشبيكة الى أنفاق أجياد السد و يفصل حركة المشاة عن حركة السيارات أمام المنطقة الواقعة أمام بوابة الملك فهد وبوابة الملك عبدالعزيز ليتمكن المصلون من الدخول والخروج من والى الحرم المكى الشريف بكل يسر وسهولة وكذلك الاستفادة من هذه الساحات لاداء الصلاة فيها وتم الانتهاء من النفق الذى بلغت تكلفته الاجمالية اكثر من ستمائة وخمسين مليون ريال كما تضمنت التوسعة تنفيذ عبارات خرسانية فى منطقة ما حول الحرم المكى الشريف يتم تنفيذها بشكل دائرى لتمر عبره خدمات المرافق العامة بها من مياه وصرف صحى وهاتف وكهرباء وغير ذلك دون اللجوء الى التكسير للحفاظ على جمال المنطقة حيث تقوم كل جهة بتمديد خدماتها عبر هذه العبارات الخرسانية الموجودة تحت الارض. المداخل والمآذن تضم التوسعة مدخلاً رئيسياً جديداً بالاضافة إلى المداخل الثلاثة الرئيسية الموجودة من قبل وثمانية عشر مدخلاً عادياً كما روعي في التصميم انشاء مدخلين جديدين للقبو إضافة إلى المداخل الأربعة الموجودة من قبل ويشمل مبنى التوسعة مئذنتين جديدتين ارتفاع كل منهما 89 متراً تتشابهان في تصميمهما المعماري وفي المواد المستخدمة للمآذن السبع القائمة. التوسعة في سطور وتتألف توسعة المسجد الحرام من الطابق السفلي (الأقبية) والطابق الأرضي والطابق الأول وقد صمم وتم بناؤه على أساس تكييف شامل وعمل محطة للتبريد في أجياد وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات وقنوات وعُملت فتحات في أعلى الأعمدة المربعة حيث يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد ومبنى التوسعة منسجم تماما في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى وقد كُسيت الأعمدة بالرخام الأبيض الناصع كما كسيت أرضها بالرخام الأبيض وأما الجدران فكسيت من الخارج بالرخام الأسود المموج والحجر الصناعي وكذلك من الداخل مع تزيينها بزخارف إسلامية جميلة ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد 530 عاموداً دائرياً ومربعاً وجعل في هذه التوسعة أربعة عشر باباً فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام 112 بابا وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب وكُسيت بمعدن مصقول ضبط بحليات نحاسية وصُنعت النوافذ والشبابيك من الألمونيوم الأصفر وزينت بمعدن مصقول بحليات نحاسية. وهناك العديد من المشاريع التي تم تنفيذها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله لخدمة ضيوف الرحمن ومنها إنشاء ستة جسور بالمسعى لفصل حركة دخول وخروج المصلين من وإلى الحرم ليتمكنوا من أداء شعيرتهم بكل يسر وسهولة ودون أي ازدحام أو مضايقة بالإضافة الى مشروع تبريد مياه زمزم آلياً ومشروع استبدال رخام صحن المطاف برخام خاص عاكس للحرارة ليتمكن ضيوف الرحمن من الطواف بالبيت العتيق في أي وقت كما تمت توسعة صحن المطاف حول الكعبة المشرفة لاستيعاب أكبر عدد من الطائفين واستبدال السياج الخشبي حول أروقة الحرم المكي الشريف بسياج من الرخام الفاخر الذي يحمل زخارف إسلامية مميزة . معلومات وإحصاءات بلغ عدد أعمدة التوسعة 1453 عاموداً وبلغ ارتفاع الواجهات الخارجية للتوسعة 22.57 متر والارتفاع الداخلي للقبو 4.30 متر وللطابق الأرضي 9.80 متر وللدور الأول 9.64 متر كما تم تبليط سطح التوسعة بالرخام . وثمة ثلاث قباب لمبنى التوسعة تقع في منتصفه تقريباً بموازاة المدخل الرئيسي يبلغ ارتفاع كل منها 13 متراً وتماثل في تصميمها الخارجي القباب الموجودة على سطح الحرم من قبل وقد بلغت كمية المواد التي استخدمت في هذه التوسعة نحو 111750 متراً مكعباً من الخرسانة و 12700 طن من حديد التسليح أما بالنسبة للكهرباء فقد أقيمت محطتا تحويل على جانبي التوسعة تحوي كل منهما ثلاثة محولات قدرة كل منها 1.6 ميجافولت أمبير . كل ذلك عمل ليبقى هذا البيت العظيم الخالد رمزًا للعبادة، وشعاراً للتوحيد، من خلال الاعمال التي مرّت بعمارته بأطوار ومراحل، حيث هُدم وبُني مرّات عديدة بأحسن مما كان . للتواصل يسرنا أن نتلقى أي معلومة أو فكرة أو صورة تاريخية قديمة، تثري هذه الصفحة، من قبل المهتمين بتراث مكةالمكرمة على هاتف 025201733 فاكس 025203055 [email protected]