تتوجه أنظار معظم المراقبين للشأن الأردني في هذه المرحلة إلى ثلاثة ملفات هي “الحريات العامة والاعتقالات”، و”الانتخابات البرلمانية”، و”الصراع البارد بين النظام والحركة الإسلامية”، لكن مكمن القلق الحقيقي الذي يتحدث عنه المطَّلعون يتعلق بالوضع المعيشي للمواطنين، الذي أثبت أنه الهم الأكبر كما أظهرت استطلاعات رأي عديدة. ومن المفارقة هنا أن استطلاعاً أجراه أحد أهم مراكز الدراسات في الأردن، وهو مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، لم تُعلَن نتائجه بالكامل، حيث تحفظ المركز على نشر جزء معين اطلعت “الشرق” على نتيجته، ويفيد بأن 20 % فقط من الأردنيين لديهم اطلاع على قانون الانتخاب. وتقدِّر أوساط أمنية استطلعتها “الشرق” الوضع في الأردن ببالغ الخطورة بسبب الأوضاع المعيشية، وتعتقد هذه الأوساط أن ما فاقم الموقف هو قرار برفع أسعار المحروقات اتخذته الحكومة نهاية شهر أغسطس الماضي دون مشاورتها، ولذا قدمت الأجهزة الأمنية تقريراً عاجلاً إلى الملك عبدالله الثاني أوضحت فيه خطورة الأوضاع بعد القرار ما أدى إلى صدور قرار ملكي بتجميده بعد يومين فقط من صدوره، استباقاً لموجة احتجاجات عنيفة. ويشهد الأردن حالياً توتراً سياسياً على خلفية اعتقالات طالت حتى الآن 16 ناشطاً في الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. المعايطة: لا قرارات اقتصادية كبرى إلى ما بعد الانتخابات يرى الناطق باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة أن أصعب قرار يمكن اتخاذه في هذه المرحلة هو رفع أسعار المحروقات، وقد تم اتخاذه، ولم تحدث أية مضاعفات بعد التراجع عنه. ويضيف المعايطة ل “الشرق” أن التحدي الاقتصادي كبير وضاغط على الدولة وخاصة في ظل عدم وصول مساعدات خارجية، ولكن المعادلة فيها جانب سياسي اجتماعي يتعلق بإدراك الحكومات الظروف التي يواجهها المواطنون، بالتالي تسعى إلى عدم المساس بمستويات معيشتهم. ويعتقد المعايطة أن أية حكومة حالية أو مقبلة ستعمل وفق هذه المعادلة الدقيقة، وستبحث كل الخيارات والبدائل، مضيفا أن الحكومة تأمل في وصول بعض المساعدات، وهو ما سيخفف العبء عليها قليلاً. ويختم المعايطة حديثه بالقول “كل الحكومات تدرك أن الجانب الاقتصادي له بعد سياسي واجتماعي، وأنا متفائل بالقدرة على الموازنة بين الضرورات الاقتصادية من ناحية، وعدم المساس بمعيشة المواطنين من ناحية ثانية، وأعتقد أن الأولوية خلال المرحلة المقبلة هي الإعداد للانتخابات، ولن يكون هناك أية قرارات اقتصادية كبيرة ذات نتائج صعبة على المواطنين”. الدرعاوي: الاحتقان سيتطور دون حزمة أمان اجتماعي في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي المعروف، سلامة الدرعاوي، أن استمرار الضغوطات الاقتصادية المتتالية على الموازنة والمتمثلة أساسا في ارتفاع العجز والمديونية وتخلي الحكومات عن الدعم سيزيد من حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي في الشارع، وهو أمر مرشح للتطور في حال عدم تبني الدولة لخطة طوارئ تواجه تداعيات الأزمة الاقتصادية. ويلفت الدرعاوي هنا إلى خطة حكومية سابقة تم التخلي عنها تدريجياً كانت أُقِرَّت في العام 2008 عند رفع أسعار المحروقات، وكانت تلك الخطة تقوم على توفير الدعم للفئات الأقل دخلاً. ويعتقد الدرعاوي أن أجواء الانتخابات قد تؤجل تفاقم المشكلات مؤقتا، لكنه يرهن هذا الأمر في النهاية بقدرة الحكومة على احتواء المشكلات من خلال برنامج تحفيزي للاقتصاد الوطني أو في حال قدوم منح عربية طارئة. حتر: مخاوف الهوية الوطنية تضبط الانفجار من جانبه، يرى الكاتب والناشط السياسي ناهض حتر أن الأمور ستمر بهدوء على الأرجح وصولاً إلى الانتخابات النيابية، لكنه يصف الأمر بالمعقد، فمن ناحية هناك فئة من المواطنين متضررة من الوضع الحالي، ورغم ذلك فهي في نفس الوقت تخشى أن يكون الصدام مع النظام على حساب هويتها الوطنية. ويرى حتر أن الاقتصاد الأردني ككل هو من نمط الاقتصاد المعال (المعتمد على المساعدات)، وهو نمط انتهى، وينبغي أن تبحث الدولة الأردنية عن بديل استراتيجي وليس مجرد ترقيعات. ويقر حتر بأن الضغط المعيشي على الأوساط الشعبية في المحافظات يؤذن بالانفجار، ولكن هواجس سياسية كبيرة تضبط هذا الانفجار وتمنعه، فالفئات المتضررة من الصعوبات الاقتصادية، حسب حتر، موجودة في المحافظات بشكل أساسي، وهي ذات طابع عام شرق أردني، وهي تتحسب للتبدلات الإقليمية الكبرى المنتظرة والواضحة، ولاحتمالات التسوية والحرب. ويضيف أن تلك الفئات تخشى من أن ينعكس تصديها للنظام في هذه المرحلة بقوة بسبب الصعوبات المعيشية سلباً عليها وعلى هويتها الوطنية. ولم يغلق حتر الباب أمام احتمالات أخرى، حيث قال إن الأمور متأرجحة، فمن الممكن في لحظة أن ينكسر التوازن إذا زادت الضغوط المعيشية، ويمكن أن يحدث الانفجار في لحظة غير متوقعة تكون فيها تلك الفئات وصلت إلى نقطة اللاتحمل، فتنفجر عند رفع سعر سلعة هامشية ربما. حدادين: المواطنون يريدون إصلاحاً بطيئاً أما النائب في البرلمان الأردني، بسام حدادين، فلا يرى أن المجتمع الأردني يعاني من احتقان، وإنما يعتقد، بحسب حديثه ل “الشرق”، أن الاحتقان محصور بالنخب، وأنه احتقان سياسي أكثر منه معيشي.ويقول حدادين إن المواطنين الذين يلتقيهم يريدون إصلاحاً بطيئاً لا يؤدي إلى مخاطر كبيرة على البلاد، ولا يعتقد حدادين أن البلاد مقبلة على انفجار اجتماعي لأسباب اقتصادية أو معيشية. لكن حدادين غير متفائل على المدى البعيد، إذ يرى أن الملك فقد ثقته كلياً بالطبقة السياسية وبقدرتها على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة، وأنه يريد برلماناً جديداً يفرز طبقة سياسية جديدة وحكومات قوية قادرة على التعامل مع المشكلات الكبرى. ويبدي حدادين تشككه إزاء ظروف إجراء الانتخابات وخصوصاً وفق القانون الحالي، “فليس من المضمون أن ينتج برلمانا قادرا بالفعل على تكوين أحزاب وكتل سياسية قادرة على قيادة الشارع ودفعه إلى تحمل القرارات الاقتصادية الصعبة واللازمة”، حسب قوله. الحاج: المبيعات الغذائية تراجعت 50 % بدوره، لا يعتقد نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق أن ارتفاع أسعار المحروقات أثَّر مباشرة على أسعار السلع عموماً والمواد الغذائية خصوصاً. ويرجع الحاج توفيق عدم تأثر السلع إلى عدة عوامل، أولها التراجع عن رفع أسعار المحروقات، وثانياً لأن معظم السلع الغذائية في الأردن مستوردة وليست محلية. وبحسب تصريح أدلى به ل “الشرق”، يجزم نقيب المواد الغذائية بأن الأردن لم يشهد ارتفاعاً عاماً للأسعار مثل ذلك الذي شهده عام 2008، لكنه يستدرك بالقول إن أسعار الغذاء في الأردن مرتفعة نسبياً وأنها استقرت على ارتفاع. ويلحظ الحاج توفيق أن الأردن شهد ارتفاعاً في الكلفة المعيشية وانخفاضاً في القوة الشرائية، حيث تراجعت المبيعات الغذائية خلال العامين 2011 و2012 بأكثر من 50 % عن المعدل الطبيعي، فيما ارتفعت أسعار معظم الخدمات بما فيها الكهرباء والمدارس والأجور ما أدى إلى انخفاض مبيعات المواد الغذائية. شاب يقدم وردة لشرطي أثناء التظاهرات (الشرق)