تزامن العام 2009 في الأردن مع مرور عشر سنوات على عهد الملك عبد الله الثاني، بان في نهايته كعام للمراجعة حيث قرر الملك حل مجلس النواب قبل انتهاء ولايته بعامين، والدعوة إلى انتخابات مبكرة على أساس قانون انتخابات جديد، ثم تأجيلها، وتعيين حكومة جديدة، والتوجه لتطبيق نظام اللامركزية بإجراء انتخابات محلية للمحافظات، كخطوة على طريق الإصلاحات السياسية الموعودة. ويعتقد محللون أن الإصلاحات لا ينبغي أن تكون شكلية بل تتطلب تغييرا جذريا في البنية التشريعية، لاسيما المتعلق منها بالحريات العامة والعمل السياسي العام، ويرون أن تحقيق ذلك يعد مطلبا رئيسيا لتقوية الجبهة الداخلية التي تواجه تحديات إقليمية متصاعدة أبرزها تعثر عملية السلام في المنطقة ،وما يشكله ذلك من تهديد على أمن الأردن واستقراره. وقال الوزير السابق، المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان محي الدين توق ليونايتد برس انترناشونال إن الأردن قطع أشواطا مهمة في مجالات الإصلاح الاقتصادي والمالي والتربوي، لكن المشكلة تظل قائمة في بطء عملية الإصلاح السياسي. وأرجع توق ذلك إلى مجموعة من الأسباب منها وجود قوى شد عكسي تدفع باتجاه إبقاء الوضع على حاله خدمة لمصالحها، مقابل قوى أخرى تدفع نحو إدخال إصلاحات على وتيرة الحكم في البلاد. وأشار إلى وجود إرادة سياسية لإحداث إصلاح سياسي، غير أن المشكلة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة لم تنجح في التقاط الإشارات التي أرادها الحكم بهذا الشأن. وعزا بطء وتيرة الإصلاح السياسي أيضا إلى وجود مجموعة من القوانين التي تحتاج إلى تعديلات جذرية ،بخاصة تلك الناظمة للعمل السياسي والعمل العام ومنها قوانين الأحزاب والجمعيات والاجتماعات العامة وقانون الانتخاب. وقال القيادي الإسلامي رئيس مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين عبد اللطيف عربيات إن غياب الإرادة السياسية الحقيقية هو الذي يقف عائقا أمام عملية الإصلاح السياسي التي تعتبر أخطر ما يواجه الأردن من تحديات. وأضاف أنه خلال الأعوام الماضية تعاقبت على الأردن تسع حكومات وضعت العديد من التشريعات، ولكن لم يحدث أي تغيير لجهة الإصلاح والسبب عدم توفر الإرادة التي ينبغي أن ينبثق عنها تشريعات وقوانين ديمقراطية تؤطر العمل العام السياسي والحزبي في البلاد، مشيرا إلى وجود قوى شد عكسي متضررة من عملية الإصلاح معنية ببقاء الوضع الراهن. ورأى الناشط السياسي، رئيس مركز جذور للتنمية وحقوق الإنسان، فوزي السمهوري أن عملية الإصلاح لا تتم من دون بيئة تشريعية سليمة.وقال إن حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة وفق قانون جديد إذا لم يتبعها إجراءات فعلية على هذا الصعيد فإنهما سيكونان بمثابة خطوات شكلية وتجميلية اعتادها الأردن خلال السنوات الماضية. وفسر المعارض اليساري المستقل ناهض حتر سبب تعثر عملية الإصلاح بغياب الإرادة السياسية الحقيقية وما يرتبط بها من ضرورة وجود تشريعات فاعلة، إضافة إلى قضية أخرى تتمثل في الليبرالية الاقتصادية التي تمثلها شريحة صغيرة تتعارض مصالحها مع مصالح المجتمع. واعتبر حتر أن تعليق حل القضية الفلسطينية يعد بدوره عاملا معرقلا آخر لعملية الإصلاح، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الأردن يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، قائلا إن أوضاعهم معلقة. يذكر أن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن يحملون الجنسية الأردنية باستثناء اللاجئين من قطاع غزة المشمولين بتعليمات فك الارتباط. وتعتبر غالبية المراقبين في العاصمة الأردنية أن تعديل قانون الانتخابات هو المحك الحقيقي لاختبار مدى الجدية في عملية الإصلاح. ويقول هؤلاء إن قانون الصوت الواحد المعمول به كقانون مؤقت منذ عام 1993 كان مسؤولا عن وجود مجالس نيابية ضعيفة ذات طابع عشائري ،وعدم تمثيل الأردنيين في المجلس بشكل حقيقي يعكس الكثافة السكانية في مختلف مناطق البلاد، وان هذا القانون ساهم أيضا في إضفاء الصبغة الخدماتية على أداء النواب (110 نواب) على حساب الدور التشريعي والرقابي للبرلمان، ويدللون على ذلك بنتائج استطلاعات الرأي العام الأردني التي تظهر عدم ثقة الأردنيين بمجالسهم النيابية. وقال عربيات " تعديل قانون الانتخابات هو حجر الزاوية لأي عملية إصلاح في البلاد ومن دون حدوث ذلك يبقى الإصلاح السياسي مجرد حديث" مشددا على أن قانون الانتخابات يجب أن يضمن نزاهة العملية الانتخابية،و تمثيلا حقيقيا لكل المواطنين. ويعتبر الإسلاميون، وهم قوى المعارضة الرئيسية في البلاد، أن قانون الصوت الواحد وجد لتحجيم دورهم وتقليص تمثيلهم في مجلس النواب. يذكر أن الإسلاميين تمثلوا بستة نواب فقط في المجلس المنحل، فيما كان يمثلهم 17 نائبا في المجلس السابق (2003-2007 ). وقال السمهوري "عندما نتحدث عن القوانين فإن أي قانون يمس المبدأ الدستوري القائل بالمساواة بين المواطنين هو قانون باطل، وهذا الأمر يندرج على قانون الانتخابات الحالي الذي لا يضمن تمثيلا حقيقا متساويا لكل الأردنيين". وأضاف "عندما نتحدث عن المواطنة بغض النظر عن الأصول والمنابت لابد أن يكون هناك مساواة في الحقوق والواجبات" ،مشددا على ضرورة احترام مبدأ التعددية والمواطنة، قائلا إن هذا يتطلب إجراء تعديلات جذرية على كافة القوانين الناظمة للعمل العام في البلاد. ورأى حتر أن وجود مجلس نيابي قوي ،غير مرتبط بقانون انتخابات محدد ،مع انه يعتقد أن قانون القائمة النسبية هو الأفضل لحالة الأردن. وتساءل عن مدى وجود إرادة لدى صناع القرار بان يكون لمجلس النواب دورا فاعلاً؟. وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان قد أسس تحالفا وطنيا يضم 200 من منظمات المجتمع المدني في البلاد بهدف إصلاح العملية الانتخابية في البلاد، وخرج بتوصيات دعت إلى اعتماد نظام الانتخابات المختلط الذي منح الناخب صوتين، وأعرب توق عن أمله في أن يتم تبني توصيات التحالف بخصوص قانون الانتخابات. وكانت الحكومة شكلت لجنة لتعديل قانون الانتخابات، وأعلنت انه لا يوجد لديها حاليا تصور عن الكيفية التي سيكون عليها وأنها مستعدة للحوار مع مختلف القوى في البلاد حوله. ويؤكد النص الدستوري على إجراء انتخابات نيابية بعد مرور أربعة أشهر على حل المجلس، إلا أن الدستور منح الملك الحق في تأجيل الانتخابات إذا ارتأت الحكومة أن ثمة ظروفا قاهرة تحول دون إجرائها وهو ما حدث بالفعل قبل يوم من استقالة حكومة نادر الذهبي. وكان المعارض اليساري السابق وزير التنمية السياسية الحالي موسى المعايطة أكد في تصريح أن عام 2010 سيكون عام الإصلاح السياسي في الأردن من خلال خوض تجربة اللامركزية والمجالس المحلية التي تعد محطة مهمة من محطات الإصلاح السياسي. وقال "لا جديد بخصوص قانون الانتخاب الجديد"، لان اللجنة الوزارية المعنية بهذا الشأن لم تجتمع بعد، مشددا على أن "الحوار سيتيح فرصة ثمينة لاقتراح البرامج والسياسات العامة في ميدان تأهيل المواطن وتمكينه ووضع خطط عمل كفيلة بالتنفيذ". وشهد الأردن خلال العام الحالي تنامي ظاهرة العنف المجتمعي المتمثلة في الصدامات العشائرية التي تكررت أكثر من مرة في مناطق مختلفة من البلاد إضافة لازدياد ظاهر العنف الجامعي لأسباب عشائرية واجتماعية. وقال أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة الأردنية ،رئيس مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية موسى شتيوي ليونايتد برس انترناشونال "ظاهرة العنف المجتمعي أمر مقلق للسلم الأهلي، ماسٌ بهيبة القانون وسيادته ، ولاشك أن العام الحالي شهد تنامي هذه الظاهرة بشكل مقلق". وأرجع أسباب ذلك لعوامل عديدة أبرزها الحالة الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلاد لجهة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وانتقد شتيوي أسلوب المعالجة الحكومية لهذه الظاهرة الذي اقتصر على البعد الأمني، وقال "على أهمية البعد الأمني في المعالجة وضرورته إلا أنه غير كاف كحل وحيد. فالحلول الأمنية يجب ألا تتعدى كونها إجراءات ضرورية على المدى القصير لتطبيق القانون وحماية المواطنين، ولكنها ليست وصفة لمعالجة مشكلة العنف الجماعي". وتابع أن مسؤولية معالجة العنف الاجتماعي هي مسؤولية مجتمعية ذات أبعاد تربوية واجتماعية واقتصادية، والحكومة تتحمل العبء الأكبر في قيادة هذه الجهود من خلال وضع إستراتيجية متعددة الأبعاد تتم بشكل تشاركي مع مكونات المجتمع المختلفة، يكون أحد أهدافها الرئيسية مراجعة الازدواجية القائمة بين القانون المدني والعرف العشائري. وكان الأردن شهد في تموز ' يوليو الماضي تغييرا ثانيا في موقع ولاية العهد خلال السنوات الخمس الأخير، حيث عين الملك نجله الأكبر الأمير حسين (15 عاما ) وليا للعهد واضعا بذلك حدا للفراغ في منصب ولاية العهد منذ أن نحى أخاه غير الشقيق الأمير حمزة عن هذا المنصب في عام 2004. وولي العهد الجديد لا يزال على مقاعد الدراسة،وقد بقي بعيدا عن وسائل الإعلام ويقتصر ظهوره على مرافقة والده في بعض المناسبات الرسمية والدينية، والسبب في ذلك أنه لن يستطيع القيام بأي مهام رسمية قبل إتمامه السنة القمرية الثامنة عشرة وفقا لأحكام الدستور الأردني. هكذا يخطو الأردن نحو سنة جديدة دافعاً أمامه استحقاقات هامة داخلية تتطلب مناقشات معمقة على قاعدة الإصلاح السياسي والاجتماعي فيما السخونة تحيط بحدوده وبخاصة تنامي التعنت الإسرائيلي والمأزق الفلسطيني الداخلي معاً.