الرياض – يوسف الكهفي د. عبدالرحمن الزامل: أريد أن أُبقي أموالي في بلدي.. ولا بد من إعطاء الأولوية لأبناء الوطن د. خلود القحطاني: تحديد ساعات العمل، وتنظيم قطاع التجزئة أحد السبل للحد من تسيّب العمالة أحمد الحميدان: العمل التنسيقي مع الجهات المعنية أفضل طريقة للتعامل مع مشكلات السوق عُرف سوق البطحاء في الرياض منذ أكثر من أربعين عاماً، ببيع كل ما يحتاجه المواطن والمقيم، كما عُرف سوقا للجملة تتوزع منه البضائع إلى أغلب الأسواق في المدن والمحافظات المجاورة والقربية، حيث يتجاوز عدد المحلات التي يضمها السوق نحو 5000 محل، موزعة على مساحة لا تتجاوز كيلومترين مربعين تقريباً. وأجرت «الشرق» جولة ميدانية على سوق البطحاء، الذي كان لافتا سيطرة العمالة الأجنبية على جزء كبير منه، بنسبة قد تصل إلى 95%، بينهم مخالفون لأنظمة الإقامة والعمل، فيما يلفت الزائر تقسيم السوق إلى عدة أقسام، حيث تسيطر على كل قسم جالية معينة، تتحكم كيفما تشاء في عمليات البيع والشراء والإيجار والتأجير والسمسرة. كما أن هناك عمالة وافدة في ذات السوق تقوم بدور «سوق الجفرة» سابقاً، وما يعرفون ب «الديّانة «، وهم مَن يمنحون أصحاب بعض المحلات سلفة لوقت قصير، حيث تدور هذه السلفة بينهم بشكل سريع، وكل يتكسّب بواسطتها خلال صفقة سريعة، ويعيدها إلى مصدرها بربح متفق عليه، ليتداولها الآخرون، وأحياناً يقومون بما يسمى ب»الجمعة» أو «الجمعية» التي يستفيد منها المشتركون بالتناوب، وهم أصحاب المحلات طبعاً، وكل جنسية لها « ديّانة « من بني جلدتها. ويُقدّر دوران العملة اليومي في سوق البطحاء بنحو 35 مليون ريال، تحت غطاء التستر التجاري، يتم تحويل النصيب الأكبر منها يومياً إلى خارج المملكة، بواسطة سماسرة يمتهنون التنسيق، والاتصال الخارجي لتنفيذ هذه المهمة في بضع دقائق، دون حسيب أو رقيب، فيما يلحظ الزائر لبطحاء الرياض أن البضائع التي يتم تسويقها في السوق تعتمد بنسبة كبيرة على التقليد والغش في المواد الغذائية والتجارية من الألبسة والكماليات والإلكترونيات وغيرها، كما يجد نفسه «مغترباً» وقد يعتقد أنه بين عصابات منظمة وليس بين تجار يبيعون ويشترون. «الشرق» نقلت مشاهداتها في سوق البطحاء إلى وزير العمل المهندس عادل فقيه، واقتنصنا فرصة وجوده في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمناسبة صدور قراره بشأن تنظيم احتساب الأجور الشهرية والفئات الخاصة في برنامج نطاقات، حيث أكد أن هناك أمرا صادرا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بدعم وزارة العمل بأعداد كبيرة من المفتشين، وقد تم اعتماد وظيفة ألف مفتش إضافي لتمكين الوزارة من متابعة عملها التفتيشي، مشيرا إلى أنه تم تعيين الفوج الأول منهم مؤخراً، ويتم تدريبهم حالياً لتدعيم قدرات المفتشين. وأضاف وزير العمل أن هناك لجنة على مستوى عالٍ من وزارة الداخلية، وباهتمام مباشر من وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز، تواصل التنسيق المشترك بين وزارتي العمل والداخلية، ممثلة في قطاعي الشرطة والجوازات، لتنفيذ العقوبات الخاصة بالتفتيش في حال وصلت العقوبات إلى حد الترحيل أو مغادرة العمالة المخالفة والسائبة إلى خارج البلاد. وأوضح فقيه، مثل هذه القضايا لا تستطيع وزارة العمل القيام بها منفردة، وقال: «نجد تكاتف الجهات المعنية من خلال إيجاد لجان مشتركة، وسنبدأ تطوير الآليات بشكل مكثف وقوي، وسيشهد السوق تغيراً نوعياً كبيراً في عمليات التفتيش والمتابعة خلال الشهور الثلاثة المقبلة». أحمد الحميدان من جهته، أكد وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية أحمد الحميدان، أن الوزارة تتعاون مع كل الجهات الحكومية المعنية، بخصوص ضبط الوضع في سوق البطحاء من خلال لجان عمل مشتركة، ووضع خطة للتعامل مع هذا الموضوع، وقال: «وزارة الداخلية تقف معنا بدرجة كبيرة، والجهد المشترك سيفرز قريبا خطوات ممنهجة للتعامل مع هذه المشكلة أو الظاهرة». وأكد الحميدان، أن وزارة العمل تتبع أسلوب الشراكة مع العمال ومع أصحاب العمل ومع الجهات الحكومية لكي يكون هناك تنسيق مشترك تتحرك من خلاله جميعها في نفس الاتجاه الذي من شأنه أن يقضي على هذه الظاهرة، وقال: «العمل التنسيقي في اعتقادي من أفضل السبل للتعامل مع المشكلات بقوة وفعالية أكثر». د. خلود القحطاني فيما ترى مستشارة وزير العمل الدكتورة خلود القحطاني، أن تنظيم ساعات العمل من أفضل الحلول للحد من ظاهرة انتشار العمالة المخالفة في السوق، وقالت: «أعتقد أنه إذا تم تنظيم وتحديد ساعات العمل فإن جزءا كبيرا من هذه العمالة المخالفة والسائبة ستختفي من السوق، وأعتقد أن التنظيم سيساعدنا على ترتيب طبيعة السوق، بالذات في قطاع التجزئة والمنشآت الصغيرة مثل المولات والبقالات، وهو بطبيعته سوق يعمل من الصباح الباكر وحتى ساعات الليل المتأخرة، وهذه الأمور لو حددت بضوابط، وساعات عمل معينة، ورقابة ومتابعة مستمرة، فإنها ستحد من وجود هذه العمالة، وربما تقضي على وجودها بهذا الشكل المخالف للأنظمة، وبالتأكيد نحن ندرك أن قطاع التجزئة بالذات هو قطاع يحتاج إلى تنظيم ولا بد من أخذ هذا بعين الاعتبار». د. عبدالرحمن الزامل ويرى رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية الدكتور عبدالرحمن عبدالله الزامل، أن إيجاد فرص عمل للمواطن، وإحلاله مكان العامل المخالف للأنظمة والقوانين، يعكس وجود الاستثمار، وأن الاستثمار لا يأتي إلا إذا تمتع المستثمر السعودي والأجنبي بالمصداقية في تنفيذ القرارات المتعلقة بالمشتريات الحكومية. واعتبر الزامل، أن الأنظمة في المملكة رائعة من حيث إعطاء الأولوية للمنتجات المحلية في المشروعات الحكومية أو المؤسسات التي تملكها الحكومة، وقال: «نحن نتحدث هنا عن 500 مليار ريال تقريبا، تشمل مواد بناء، ومواد كهربائية، ومنتجات تُنتج في المملكة». وأشار الزامل، إلى أن القطاع السعودي الخاص لا ذنب له في مشكلة سوق البطحاء، وأن هناك كثيرا من الأسواق المقاربة له من حيث الوضع في المملكة، حيث يسيطر عليها المتسترون وأصحاب السجلات المملوكة من غير التجار السعوديين والدخلاء على السوق. واقترح من خلال ال «الشرق» أن يتم تطبيق نظام دولة الإمارات في هذا الشأن، مشيرا إلى السوق المفتوحة التي اعتبر أنها تدار بشكل جيد، وقال: «هناك نظام واضح بخصوص أي مواطن يوظف عاملا ليس على كفالته، أو يسمح له أن يعمل في محلات ومتاجر بطريقة غير نظامية وقانونية، حيث يعاقب بغرامة مقدارها مائة ألف درهم، يتحملها مَن استقدمه إلى البلاد، وتركه يعمل بهذه الصورة المخالفة، لذلك تجد الكل منضبطا ومتقيّدا بالأنظمة والقوانين، العامل وصاحب العمل». وانتقد الزامل، إجراءات وزارة العمل بهذا الخصوص، وقال: «الملاحظ أن بعض إجراءات وزارة العمل في مسألة التوظيف والاستقدام تساهم في زيادة أعداد العمالة في السوق، والشركات في الوقت الحالي توظف لكي تتحاشى «نطاقات» وألوانها الأحمر والأخضر والأصفر، والوزارة حقيقة لا تستطيع أن تفرض فرص عمل غير موجودة، والفرص الموجودة جميعها مُحتلة من قبل الوافدين»، وأضاف «ما ننشده هو أن تعطى الأولوية للسعوديين في التوظيف. أريد أن أبقي أموالي في بلدي. نحن نصدر ما يقارب 300 مليار ريال بطريقة مباشرة وغير مباشرة لأشخاص لا يستحقون». متجولون يبيعون الألبسة بطريقة عشوائية مهن مختلفة في البطحاء (تصوير: محمد عوض) عامل ينقل البضائع وسط سوق البطحاء