بين المنصة التي أقيم عليها عرض سوق عكاظ في نسخته الأولى والخيمة التي أقيم عليها عرض النسخة السادسة مساحة كبيرة وفرق شاسع وتطور وإنجاز كبيران في ست سنوات، وإذا كان للنسخة الأولى فضل البداية والإصرار على إحياء الجانب الثقافي لأحد أشهر أسواق العرب بعد 15 قرناً على الرغم من الاعتراضات وضعف الإمكانات وقلة الخبرة وعدم تشكل الرؤية بعد، فإن انتصاب خيمة سوق عكاظ في المكان الذي كانت تضرب فيه قبة من أدم للنابغة الذبياني ليحكم بين شعراء السوق مدلولات رمزية عميقة ليس أولها العودة إلى الأصل وليس آخرها حداثة الرؤية والتناول، وعندما عرضت مسرحية امرئ القيس في نسخة عكاظ الثالثة التي كتبها محمد العثيم وأخرجها حسين المسلم قيل وقتها إنه إيذان بظهور المسرح الحقيقي في السعودية، غير أن النقلة النوعية في تطور تجهيزات السوق ورسوخ الجادة والفعاليات السنوية وحضور الرمز وتشكل الرؤية وحوار الشباب لم تصحبها نقلة مماثلة في العرض المسرحي بين عامي 1430 و1433، فعرض «العكاظيون الجدد» هذا العام اعتمد على فكرة تقليدية هي آلة الزمن التي نقلت غازي القصيبي إلى العصر الجاهلي في خيمة النابغة، وكنت أتوقع من حضور القصيبي بين النابغة والأعشى فكرة إبداعية مجنونة أو معالجة درامية متجاوزة بحجم الإبهار الموجود عند الشعراء الثلاثة لكنّ لقاءهم لم يثمر إلا عن حفلة إنشاد لبعض شعرهم تخذلها اللغة والإلقاء وتكتنفها الرتابة والسكون الموحش في سوق يصطخب بالشعر والناس والتجارة مع إقحام مفردات مسرحية لم تلتحم ببنية العمل، وأشفقت كيف أن النابغة المقرب من الملوك والمكرم في قومه، وصناجة العرب الأعشى الجريء في شعره ووفادته على الملوك وفخره تحولا إلى أراجوزات تلقي الشعر ولا تنشده، وكيف أن أبا يارا بكل عنفوانه واعتزازه سافر إلى الماضي ليستجدي عبارات إعجاب إنشائية بحركات مصطنعة، ولمسرحية عنترة حديث آخر.