مرافقتهم في رحلة الموت أمر صعب، ولكن أن تلتقط صورهم فهذا ما يبدو مستحيلاً، تبدأ الرحلة من مالي الإفريقية، شباب وشابات يجتازون آلاف الكيلومترات في الصحراء مشياً على الأقدام ليصلوا إلى الجزائر، ومنها في رحلة أخرى للمغرب حتى مدينة «وجدة» المغربية، ومنها يركبون البحر إلى الجنة الموعودة «إسبانيا». العبور إلى الضفة الإسبانية أو «لحريك» بلغة المغاربة، سبيل اليائسين في أوطانهم لدخول الجنة الأوروبية، كانت قوارب الموت تنشر الحداد في كل القرى الشمالية من المغرب دون أن تتحرك السلطات، وبعد ضغوطات من المنظمات الإنسانية الأوروبية بدأ المغرب يعي حجم المأساة ويعترف بوجود هجرة سرية ربطتها السلطات بمهربي المخدرات ومافيا تهريب البشر. نبتت تجمعات بشرية غريبة عن المجتمع المغربي في الشمال، في غابة جبل «غورغو» المطلة على مليلية (شمال شرق) والغابات المطلة على سبتة (شمال غرب)، هاتان المدينتان المغربيتان الخاضعتان للسيادة الإسبانية يعدّهما الأفارقة بوابة الأمل والعبور إلى الحرية، ولذلك يقصدونهما كمحطة لابد من الاستقرار بها والمرور عبرها. يبدو موقع المعسكر مكاناً مخيفاً تحيط به الأشجار، وهو عبارة عن غابة كبيرة في مرتفعات جبل متوسط الحجم في نهاية مدينة وجدة المغربية، عندما تشاهد المكان من سفح الجبل لا تشك للحظة في وجود حياة فيه، اعتمدنا على طالب من مالي يدرس في المغرب ليقودنا عبر الطريق الملتوي والموحش إلى أعلى الجبل، قال مرافقنا إن المكان يتعرض يومياً لهجمات من قبل الشرطة المغربية ويُقبض على متسللين أفارقة، كانت أصوات الكلاب تعوي وتزداد اقتراباً وقوة في دليل على اقتربنا من المعسكر، وأطل رأس من وراء الأشجار يخبرنا بالتوقف، امتثلنا، وتحادث هو ومرافقنا للحظات ثم طلب منا مرافقته، كانت الرحلة متعبة وبمجرد وصولي لأعلى القمة حتى ارتميت على بعض الحشايا التي يستعملونها هنا للنوم، المكان عبارة عن خيمة يتناوب الموجودون على النوم فيها لمدة ست ساعات للفرد وأيضاً، يتناوبون على الحراسة. داخل المخيم خيم بلاستيكية بدائية تأوي المهاجرين السريين الذين ينظمون حياتهم وفق نظام صارم يلتزم به الجميع. فسكان المخيم يختارون زعيمهم عبر انتخابات مباشرة. يقوم الزعيم بدوره باختيار أعوانه ويوزع المهام. مهمة التموين اليومي تأتي على رأس الأولويات. ثم تتبعها مباشرة مهمة حفظ الأمن، وتليهما مهمة تنظيم التسلل عبر الأسلاك الشائكة، وهي ما يتم وفق الأقدمية، الأقدم في المعسكر له حق الأسبقية على الوافد الجديد. ويظهر أن الجميع يحترم قوانين المعسكر ويلتزم بها، ومن خالف أو أبدى عصياناً تُتخذ في حقه إجراءات زجرية كالنفي من المعسكر والإبعاد، أخبرنا بعضهم أنه ينتظر هنا منذ سنتين، حاول خلالها الوصول إلى إسبانيا خمس مرات، ولكن أمسك به خفر السواحل المغربية لتتم إعادته للجزائر حيث أعاد الرحلة ثانية.الأحلام هنا كثيرة؛ أحدهم يريد أن يلعب كرة القدم في فريق أوروبي، وآخر يريد أن يدرس، وثالث أتعبته الحرب في مالي ففر بجلده، وآخر تنتظره عائلة جوعى، هنا طريق واحد للحلم لا يمر إلا عبر قوارب الموت. مخزون الطعام
جانب من المخيم
خيمة بدائية يستخدمها المهاجرون (تصوير: علي القربوسي)