مقالة الأسبوع الماضي حين تحدثت عن دور المثقف ومسؤوليته في المجتمع، تساءلت في نهايتها، «هل قلب الربيع العربي بعض المفاهيم التي كانت سائدة؟» المراقب لأحداث العالم العربي، ستكون إجابته بالتأكيد نعم. لقد كان ينظر للمثقفين على أنهم أصحاب الدور التنظيري وبالتالي التوعوي في المجتمع. غير أنه لم يتضح لهم دور حقيقي ومؤثر خلال الأحداث الأخيرة في عدد من الدول العربية. وربما يكون هذا أحد أسباب عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة يطرحها الثائرون. تحرك شعبي كبير نجحت عوامل كثيرة في استنهاضه للخروج ضد النظام الحاكم. وهذا ما حدث، لكن كان هناك غياب للطرح البديل. وهذا ما جعل الثورات العربية تأخذ زمنا طويلاً نسبياً، اختلف من بلد لآخر، حتى تصل لحالة من الاستقرار، ولم يوجد بعد في أي منها استقرار يرضي غالبية الشعب الثائر! هذه قضية كبرى تتداخل معها عدد من القضايا. كثيرون ترتفع أصواتهم بطلب التغيير على مستويات متعددة، إدارية ومجتمعية وسياسية، وكأن تبديل الواقع هدف بحد ذاته. الجميع ينتقد ويدعو للتغيير ويعمل من أجله، للتخلص من الهيمنة الفردية والفساد، ولوجود رغبة حقيقية في الإصلاح. غير أنه عند طرح السؤال عن البديل، قد لا تجد عند كثير من هؤلاء رؤية واضحة، ولعل البعض سيعبر بالقول إنه لا يوجد أكثر سوءا من تلك الحالة المعاشة. وهذا يعني أن أي حالة قادمة ستكون بالتالي أفضل! على مستوى تجارب الأمم والشعوب، وسواء كان التغيير فرديا أو شعبيا جماعيا، يكون الملاحظ أن التغيير قد لا يقود للأفضل. ورغم فداحة الخسائر في بعض الأحيان من الأموال والأنفس والثمرات، لا تأتي النتائج حسب المأمول. والسبب وراء كل ذلك غياب الرؤية والتخطيط. من المتوقع أن يلعب الراغبون في التغيير أدوارا تكاملية. هناك من يملك رؤى مستقبلية تنظيرية، وأفراد هم الأفضل في طرح وسائل التنفيذ، وآخرون الأكثر قدرة على إحداث التغيير، وتتم الاستفادة من عامة المجتمع ليكونوا وسائل ضغط وتأثير. وهذا يعني أن الأمر يحتاج إلى وضع أسس للتغيير تختلف فيه مراتب المشاركين وأدوارهم. وسيحدد كل ذلك إمكانات الأفراد وخبراتهم واستعداداتهم. وإذا كانت جميع المستويات يفترض أن تكون على وعي بالأهداف العامة للتغيير، فإنها بالتأكيد سوف تختلف في مستوى ذلك الوعي، ووسائل تحقيقه. وهذا الأمر قد يسرى على مختلف أنواع التغيير ومستوياته. المسألة الأهم والأبرز في هذا السياق تتصل بالقيادة. إنها ذات مواصفات فطرية ومكتسبة. وهي غالباً ذات عدد محدود النسبة جداً في معظم المجتمعات. وحين تتوفر في مشروع للتغيير، فإنها بالتأكيد ستكون قادرة على توزيع الأدوار بشكل أكثر إيجابية، وبالتالي أحرى ببلوغ الهدف المنشود.