احتفلت مساء أمس السبت جمعية “وعد” البحرينية بالسنوية الأولى لرحيل مؤسسها الفقيد عبدالرحمن النعيمي، وذلك بحضور ثلة من المفكرين والسياسيين العرب الذين عاصروا الراحل، وهو رجل سياسة وفكر وضع له بصمة على مر التاريخ السياسي لمنطقة الخليج. عاش عبدالرحمن النعيمي ما يزيد على خمسة و ثلاثين عاماً خارج البحرين، مفكراً وكاتباً ومنظراً للمجتمع المدني الخليجي، وواضع رؤية للتعايش السلمي بين الطوائف، والمذاهب في المجتمع الواحد. كما ينتمي النعيمي لأسرة معروفة وممتدة على ساحل الخليج من قطر إلى المملكة العربية السعودية مروراً بالبحرين والكويت. الحديث عن تجربة النعيمي لا تكفيها مجلدات أو كتب، وقد صدر حتى الآن ما يقل عن ثلاث مجلدات من كتابات الفقيد غير المنشورة، وهناك اشتغال على تراثه غير المنشور من خلال لجنة يرأسها رفيق دربه الدائم (عبد رب النبي العكري) المعروف بأبي منصور. من يعرف سعيد سيف.. الاسم الثاني لعبدالرحمن النعيمي لا شك يعرف عبد رب النبي العكري، صاحب الرؤية الثاقبة في صناعة حقوق الإنسان على المستوى الخليجي والعالمي، واسم له تقديره واحترامه كما هو الحال مع النعيمي. لعل حديثي سيقتصر على عبدالرحمن الإنسان، فقد تعرفت على (أبو أمل)، مطلع التسعينيات بعد خروجه من سجون حافظ الأسد في سوريا، بسبب آرائه المعلنة تجاه الغزو العراقي للكويت وموقفه من التدخل الأجنبي حينذاك. أبو أمل الإنسان، لا تملك سوى أن تحبه وأنت تنظر إلى عينيه المبتسمة حينما تتحدث إليه، ويمارس دوره الأبوي في دعوتك على وجبة (مشبوس ربيان) من يد رفيقة دربه الأم الحنونة (أم أمل). عبدالرحمن الذي كان يحرك القيادات القومية والطليعية منذ مطلع السبعينيات حتى دخل في الغيبوبة في (مايو 2007م) وذلك من خلال رؤيته الثاقبة في صناعة المستقبل. لم يجد الغرور في داخله مسكناً ذات يوم. ومن كان يقترب من عبدالرحمن لا يملك إلا أن يحبه كإنسان قبل كل شيء. جمعتني بالنعيمي صدفة أولى في دمشق حيث تقاسمنا فنجان القهوة برفقة مؤسس حركة القوميين العرب (هاني الهندي) في مطلع التسعينيات، ومنذ ذلك التاريخ لم أفارق حضوره الهاتفي، أو الزيارة، أو تردده على منزلي في كل مناسبة (حزن أو فرح)، ليأتي حاملاً بداخله ذاك الإنسان ويلتقي بأصدقاء قدامى، ويصنع المشروعات التي توحد أبناء الخليج، ولا يبخل عليك بتقديم المشورة أو تعريفك على شخصيات مميزة تخدم المسار الفكري للجميع. عبدالرحمن لم يشعر بالتعب رغم دخوله السبعين من عمره، فكان يجوب المدن متحركاً بسيارته الصغيرة، قاطعاً المسافات بين الرياض والبحرين، حيث كان يفضل حضور معرض الكتاب كصاحب دار من أهم الدور العربية حينها (دار الكنوز الأدبية)، ويوطد علاقاته بكل الأصدقاء. وفي مايو 2007م، حادثني ذاهباً إلى معرض الكتاب في الرياض، لعلى أكون رفيق درب لخمس ساعات في الطريق، ولكن الحظ لم يحالفني، ثمانية وأربعين ساعة جلسها النعيمي في الرياض، وبعدها ذهب لحضور ثلاث مؤتمرات فكرية (عمان، بيروت، القاهرة، المغرب) مروراً بدمشق، كل ذلك في أقل من خمسة عشر يوماً حينما انفجر البنكرياس في محطته الأخيرة وكانت المغرب.. ليعود منها في غيبوبة استمرت ثلاث سنوات، وفي كل زيارة له كان يحدق في زائره ربما معاتباً وربما سائلاً ومشتاقاً حتى غادرنا في الأول من سبتمبر 2011م. رحل أبو أمل، وبقيت ذكراه خالدة في أعماق كل من اقترب من شخصيته، أو تعرف عليه من خلال ما كتبه عن القضية الفلسطينية وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني في الخليج.