انتشر خلال الأيام الماضية عبر اليوتيوب فيلم اسمه «عمار» يحكي قصة «عمار بوقس» الشاب الذي يبلغ من العمر 26 عاماً الذي أصيب بمرض نادر أدى إلى حدوث شلل كامل في الجسم لا يتحرك فيه إلا اللسان والعينان فقط. هذا الفيلم الذي لا يتجاوز الست دقائق اختصر عقوداً من الدروس التي يمكن أن تقدمها لنا الحياة، انطلاقاً من العناية الإلهية بأن عاش أكثر من عامين كما كان يتوقع له الطبيب منذ ولادته، وكذلك إيمان الأب الكبير بالله، وأن ما عند الله خير وأبقى، فهذه الغريزة الأبوية دفعت الأب إلى عدم تجاهل ابنه أو الضجر من هذه الإعاقة كما يفعل بعضهم – هداهم الله – ممن يعامل ابنه بأنه ناقص ولا ينفع فيه تعليم ولا تأهيل، بل قدم والد «عمار» درساً في التعامل الأبوي والتربوي مع مثل هذه الحالة التي قد تمر في كثير من البيوت والعوائل، فقد حرص على تعليم ابنه وحاول أن يعوضه ما ينقصه لينشأ مواطناً فاعلاً ومؤثراً في مجتمعه. «عمار» الذي يحكي قصة تفاؤله كان يخفي ألماً في داخله وهو يتحدث عن تعامل المدارس في أمريكا مع حالته، وأنهم لم يقبلوه بمدرسة خاصة، بل انغمس في مدارس عادية ليتخرج منها متفوقاً على الطلاب الأسوياء، وتفاجأ «عمار» بعد عودته للمملكة أن هناك من يريد أن يُدخله المدارس الخاصة بالتخلف العقلي حسب مشكلته الصحية!، وبعد اجتهادات كثيرة قُبِل بنظام الانتساب ليتخرج متفوقاً بنسبة 96% من الثانوية العامة، وأتم حفظ القرآن الكريم في سنتين، ثم ليتجاوز عقبات أكثر ويحقق المرتبة الأولى على جامعة الملك عبدالعزيز في قسم الإعلام ويحقق حلمه بأن يكون صحفياً رياضياً. «عمار بوقس» .. أعطى من خلال هذه الدقائق خلاصة 26 عاماً، واجه فيها مواقف وتحديات كثيرة تنوء عن حملها راسيات الجبال، هناك من يحبطه، هناك من ينظر إليه بشفقة، هناك من يقول له: إنه معاق بلا أي هدف ولا يُنتظر منه أي شيء، أعطى دروساً في الصبر والكفاح، كان يحلم بأن يكون صحفياً وكافح ليحقق هذا الهدف، وليكون رمزاً ملهماً للجميع، شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً، مهما كان التحدي صعباً فإن تجاوزه سهل بوجود همة عالية، ونفس شغوفة تتوق إلى التفوق والتميز والنجاح.مجتمعنا يعاني من مشكلة الإعاقة شأنه شأن كثير من الدول، ولكن ما نلاحظه في كثير من دول العالم المتقدم أن التعاطي مع المعاقين يختلف في التعامل أو التعليم، فيجعلهم لا يشعرون بالنقص أو بالامتهان أو أقل مقدرة من غيرهم من الأسوياء، فحقوقهم الإنسانية محفوظة، ويحظون بدعم عائلي وحكومي ليكونوا لبنة صالحة في مجتمعهم، وهناك أمثلة كثيرة فكلنا نعرف عالم الفيزياء المعروف ستيفن هوكينغ – وإن كانت لديه نظريات وآراء لا نتفق معه فيها – أنه من المصابين بمرض «عمار» نفسه، ولكنه استمر في دراسته حتى أصبح من الإعلاميين الذين يشار إليهم بالبنان على مستوى العالم. ونحن لدينا أمثلة كثيرة في مجتمعنا مثل الداعية عبدالله بانعمة الذي تحدى الإعاقة الكاملة بعد حادث السقوط الذي أصابه أثناء السباحة وتعلم وأصبح داعية وأحد المؤثرين البارزين في فئة الشباب رغم إعاقته الكاملة، ومهند أبو دية «الذي تخصص في هندسة طيران الفضاء وهو كفيف» وغيرهم ممن يستحقون الدعم والإشادة بما يصلون إليه من شهرة على المستوى المحلي والإقليمي، ويكون هذا التشجيع دافعاً لدعم أولادنا المعاقين وتحفيزهم للإبداع، فكما نعرف أن كثيراً من المعاقين قد يفقد إحدى حواسه، ولكنه يظهر تميزاً في حواس أخرى… فهي فرصة في أن نستثمر قدرات وطاقات مهدرة في مجتمعنا ليكون هؤلاء الشباب فاعلين ومجتهدين يبثون الحماسة والثقة في بقية أفراد المجتمع. هذه الرسالة موجهة للآباء والأمهات الذين لديهم أولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة فإنه يجب عليهما دمجهما في المجتمع وعدم الخجل من إظهارهم إلى الناس بسبب تلك الإعاقات، وأن يقبلوا هذه الهدية التي أهداهم الله سبحانه وتعالى إياها لتكون اختباراً لهم على تحملهم وصبرهم، فبعض الممارسات الخاطئة قد تؤثر سلباً على شخصية الأولاد المعاقين مستقبلاً؛ حيث يصبحون منغلقين ومنكفئين على أنفسهم وينشأ لديهم شعور عدائي ضد المجتمع الذي رفض أن يتقبلهم. فيلم «عمار» بعث برسائل متفائلة، ومحفزة على تحقيق الأحلام وتعزيز الإرادة والتغلب على الصعوبات، وقد ساهم في تميز الفيلم إخراج المبدع بدر الحمود الذي لديه تجارب مميزة في إخراج الأفلام والمقاطع المؤثرة على اليوتيوب؛ منها فيلمه الشهير»مونوبولي»، هذه الأفلام صارت تنافس الشاشات الفضية، وساهم اليوتيوب في إبراز مواهب الشباب ولفت أنظار الناس إلى شخصيات، وقضايا اجتماعية، فهؤلاء الشباب هم من يستحقون الدعم والإشادة، فبهم تزدهر الأوطان وتفتخر بمستقبلها المشرق. ختاماً إن هذين الوالدين يستحقان كل الإشادة والتقدير بسبب مساهمتهما الكبيرة في تحقيق أهداف ابنهما رغم كل الصعوبات والمعوقات التي واجهتهما، ولكن إذا كانت هناك إرادة قوية فسوف تتحقق المعجزات مهما كانت التحديات كبيرة: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر