جدة – نعيم تميم الحكيم صبري: مبادرة خادم الحرمين انطلقت من صميم تعاليم الإسلام الداعية للحوار والتسامح. هليل: إنشاء مركز الحوار سيُوجد المظلّة الرسميّة وسيحميه من تشتت الجهود. المحفوظ: المركز بداية تصحيح النظرة لحقيقة التعددية المذهبية بوصفها حالة طبيعية. تشير الدراسات والأبحاث إلى أن إسرائيل تقف خلف إثارة الفتنة المذهبية، خصوصا بعد موجة الثورات في العالم العربي، التي عرفت باسم «الربيع العربي» خشية من تبدل الحكومات التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، سواء كانت سرية أو علنية. المركز الأوروبي وأبان الباحث في الشؤون الإسرائيلية إحسان مرتضى، أن شبكات التجسس الإسرائيلية التي تم اكتشافها مؤخرا في عديد ٍ من الدول العربية والإسلامية، تهدف إلى زعزعة أمنها من خلال إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية، مبينا أنه في العام 1959م، أصدر رئيس الموساد توصيات لإنشاء مركزٍ لدراسة الوطن العربي يحمل اسمه، وتم ربطه ظاهريا بجمعية الاستشراق الإسرائيلية، ثم ضمّه في العام 1965م، إلى جامعة تل أبيب. وكان هذا المركز يشتمل على عدة شعب وأقسام تتناول دراسة الدول العربية، وجمع المعلومات عنها، وتحليل هذه المعلومات، وتقديمها إلى الموساد والسلطات السياسية، التي ترعاها وتشرف عليها، وفي العام 1983م، تم تغيير اسمه ليصبح مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا، موضحا أن المركز كرّس جهده منذ ذلك الحين بغية التغلغل في تفاصيل عددٍ من الدول العربية، التي تعيش فيها جماعات مختلفة طائفيا ومذهبيا، وتزويد الموساد بالتالي بتوصيات واستخلاصات تساعد هذا الجهاز التخريبي على إنجاز عمليات اختراق تلك الجماعات، والتحكم بنزاعاتها ومشروعاتها، وتكييفها بما يلائم مخططات إسرائيل التقسيمية والتخريبية من خلال إثارة الفتنة. وجاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين، بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، التي أقرتها القمة الإسلامية في مكةالمكرمة ضمن توصياتها في نهاية شهر رمضان، في وقتها وفي محلها، وأثبتت وقائع جلساتها أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يتطلع إلى إعادة جمع شمل الدول الإسلامية بعد أن أصبحت متناحرة فيما بينها، وتتعرض لشتى أنواع التمزق والتفرقة بفعل ما يحاك ضدها من مؤامرات. ويؤكد عدد كبير من العلماء والفقهاء في العالمين العربي والإسلامي، أهمية دعوة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز للحوار، مؤكدين أنه مهما اختلفت صيغ وآليات الحوار فإنّ الهدف واحد وهو تحقيق التّعايش بين الشعوب بعيدا عن الحروب، وإخماد بؤر الصّراع التي ساهمت في تأجيجها قوى التطرّف والإرهاب وأعداء الإسلام. وأشاروا إلى أن دعوته إلى الحوار تعتبر من صميم تعاليم الإسلام، في وقت تموج به المنطقة في سلسلة من الصّراعات الطائفيّة والمذهبيّة والدينيّة، التي ساهمت في إشعال المنطقة واضطراب أمنها، ممّا يعزّز فرصة أن يشكّل هذا الحوار انطلاقة حقيقيّة نحو رؤية موحّدة للتحاور مع الآخر، لتخفيف هذا الاحتقان، والتّشجيع على التّعايش والأمن السّلمي، ومواجهة العدو الحقيقي للأمة. دين التعددية د.عكرمة صبري ويؤكد إمام وخطيب المسجد الأقصى الدكتور عكرمة صبري، أن ديننا الإسلامي العظيم أقرّ التعددية، وتعامل مع أتباع الديانات الأخرى بتسامح ومحبة بعيداً عن التعصب والتشنج والمعاداة، كما طالب بمبدأ التسامح مع المسلمين بمختلف أشكالهم وطوائفهم. مشددا على أن التسامح والحوار من القيم الرفيعة، ومن العناصر الإنسانية الإيجابية التي تقوي الروابط بين الناس، وتشيع فيهم الألفة والمودة والمحبة والوئام. وأضاف «من أبسط صور المسامحة أن يُسقط الشخص حقه، ويتنازل عنه تجاه غيره، أو أن يطلب المعتدي المسامحة من المعتدى عليه، فيستجيب الأخير لطلبه، والمسامح بعمله هذا يبدّل الكراهية إلى محبة ٍ، والعداوة إلى ألفة ٍ، وهذا ما نلمسه ونلحظه على أرض الواقع في مراسم الصلح التي تحصل بين العائلات حين ينشب خلاف بينها». ولفت صبري إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين انطلقت من تعاليم الدين وقيمه الخلقية الرفيعة، التي منها الحوار والصفح والعفو والمسامحة بشكل عام. يقول الله عز وجل: (فاصفح الصفح الجميل)، ويقول رب العالمين في آية أخرى: (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)، وهناك عشرات الآيات الكريمة التي تدعو إلى ذلك. وأشار صبري إلى أن من يتوهم أن التسامح والحوار يأتي عن ضعف واستكانة واستسلام فهو مخطئ لأن التسامح ينطلق من القوة والمقدرة، مبينا أن من صفات من يعفو، ويصفح، ويحاور، قوة العزيمة، وضبط الأعصاب، وكتم الغيظ. ويقول رب العالمين في صفات المتقين (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). مظلة رسمية د. محمد أحمد هليل وقال قاضي القضاة وإمام الحضرة الهاشمية في الأردن الدكتور محمد أحمد هليل: «بداية نسجّل شكرنا لخادم الحرمين الشّريفين على دعوته لهذا المؤتمر، الذي سيساهم في تذويب الهوّة بين الدول الإسلامية، ويدعو لوحدتها وتماسكها، فالمؤتمر يحمل أهمّية بالغة كونه يصدر من رحاب بلاد الحرمين الشّريفين؛ مهوى أفئدة المسلمين، وبرعاية رسميّة متمثّلة بشخص خادم الحرمين الشّريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وما يزيد من أهمّية هذا المؤتمر في هذا الوقت بالتّحديد؛ ازدياد مظاهر الخلاف والنّزاع، بين الدّول الإسلاميّة نفسها، وما يعتريها من فتنة طائفيّة، وشقاق داخلي، واعتداءات خارجيّة، لذلك فإنّ المرحلة تقتضي إقامة مثل هذه المؤتمرات لترتيب الصفّ الدّاخلي، والجلوس على مائدة واحدة لتحديد القواسم المشتركة، التي تجمعنا، وآليات الحوار، وطريقة الاستفادة من هذه الحوارات لدرء المفاسد والأخطار التي تتعرّض لها الدول الإسلامية. ويمضي الدكتور هليل، محدّدا عوامل نجاح الحوار بقوله: وحتّى ينجح هذا المؤتمر لا بدّ للمشاركين فيه، سواء من الدعاة أو العلماء أو رجال السّياسة، أن يدخلوا إلى الحوار بقلوب صافية، ونفوس هادئة، وأن يسيروا في حوارهم الإسلامي الدّاخلي وفق المنهج الإلهي الربّاني، وأن يكون هذا المؤتمر نواة لتوحيد الرّؤية نحو الحوار والمرتكزات التي سوف تقوم عليه، شريطة أن تكون على قواعد راسخة حتّى نكون أصحاب كلمة قويّة في حوارنا مع الآخر غير المسلم، معتمدين على قوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، ولفت هليل إلى أن أهم شروط نجاح الحوار، إيجاد المظلّة الرسميّة الممثلة بمركز الحوار حتّى لا تتشتّت الجهود وتضيع، وفي النّهاية تتحقّق المصلحة العليا والأهداف التي أقيم من أجلها الحوار. وأشار هليل إلى أن هذه الدعوة تأتي في مرحلة عصيبة ودقيقة تمرّ بها الأمّة الإسلاميّة، وهي على مفترق طرق، لذا أتمنّى أن يكون مركز الحوار جامعا لا مانعا، وموفّقا لا مفرّقا، ومكرّسا لمفاهيم الحوار، وإذا استطاع المركز جمع الطّوائف والأفكار الإسلاميّة؛ فإنّ ذلك سيؤتي ثماره على المدى البعيد، وسيكون نواة لحوار إيجابي وبنّاء بين المشرق والمغرب. خطوات سابقة ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور خالد الدخيل، أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركزٍ للحوار بين المذاهب الإسلامية يأتي استكمالاً للخطوات السّابقة في مؤتمرات الحوار السّابقة، كما أنّها تعتبر أيضا استكمالاً لمبادرة الحوار الوطني الدّاخلي. وشدد الدخيل، على أنه في حال نجاح الحوار الإسلامي في التوصّل إلى صيغة موحّدة، فإنّه سيحقّق التّواصل والفهم الموضوعي للأديان، وسيساهم في قبول الرّأي والفكر الآخر، وبالتّالي القضاء على ظاهرة التطرّف والتعصّب، وتحقيق الانفتاح والتكيّف مع احترام الاختلافات الحاصلة بين جميع الأطراف مهما كانت المسمّيات التي انتشرت اليوم؛ سواء كانت اختلافات ثقافيّة أو فكريّة أو جغرافيّة أو تاريخيّة أو غيرها. والشيء نفسه يقال عن الإسلام؛ فالإسلام اليوم ليس واحدا، هناك صيغ عديدة للإسلام؛ منها الإسلام الأمريكي والأوروبي والتّركي والإيراني والسّعودي، وهناك أيضا الإسلام السنّي والشّيعي والصّوفي والسّلفي وغيره، وكلّ هذه الاختلافات فرضها الواقع، ويجب أن نتعايش معها، ونعتبرها أمرا طبيعيّا، ونخطو خطوات للأمام في حوارنا الدّاخلي حتّى نتمكن من تحقيق النّجاح في حوارنا مع باقي الدّيانات السماويّة في مراحل أخرى متقدّمة. نقطة تحول د. محمد المحفوظ واعتبر المفكر والباحث الإسلامي محمد المحفوظ، أن المبادرة تشكل نقطة تحول في حال تحويلها إلى مؤسسة قائمة، لكونها ستساهم في معالجة كثير من نقاط الاحتقان، التي تحد من العلاقة بين المسلمين بمختلف مدارسهم المذهبية. وأضاف «لكي يشكل هذا المركز تحولا جديدا وإيجابيا في العلاقة بين المسلمين لا بد من التأكيد على مجموعة من الأفكار بينها القول إن المشكلة المذهبية والطائفية في العالم الإسلامي ليست مشكلة دينية بل سياسية». لافتاً إلى أن التعددية المذهبية والفقهية في التجربة الإسلامية ظاهرة صحية، ودليلٌ على حيوية فكرة الاجتهاد عند المسلمين، ولكن طبيعة الخيارات السياسية والثقافية التي سادت العالم الإسلامي هي التي حولت التعددية المذهبية من ظاهرة صحية إلى ظاهرة مرضية. وقال المحفوظ: «نتطلع إلى أن يكون المركز بدايةً لتصحيح النظرة إلى حقيقة التعددية المذهبية بوصفها حالة طبيعية وإيجابية في تجربة المسلمين التاريخية، وكل الظواهر السلبية العالقة في العلاقة بين المسلمين بمختلف مذاهبهم هي وليدة الخيارات السياسية والثقافية للمسلمين، التي تعاملت مع ظاهرة التعددية المذهبية بوصفها ظاهرة معيبة ينبغي إخفاؤها، ولو بأساليب قسرية، ونتطلع إلى أن يكون المركز بدايةً لتحول إيحابي لحقيقة التعددية المذهبية». ويرى المحفوظ، أن هذه المبادرة – لكي تأتي أكلها كاملة على عموم المسلمين – بحاجة إلى أن تنفتح وتتواصل مع جميع المراكز الدينية التي تحظى باحترام تام من قبل المسلمين. فهي بحاجة للانفتاح على الأزهر الشريف والزيتونة والنجف الأشرف والجامعات الإسلامية وكليات الشريعة، وكذلك على الشخصيات الإسلامية المهتمة بموضوع الوحدة بين المسلمين، لأن انفتاحها على القوى الدينية الإسلامية سيضيف إليها كثيرا من عناصر القوة والتأثير. وأوضح أن منظمة التعاون الإسلامي معنية قبل غيرها، بوصفها راعية المركز، والمسيّر الأساسي له، بأن تبدأ الخطوات العلمية لتحويله إلى حقيقة قائمة ومؤثرة، وهي بحاجة إلى رصد كل الجهود الإسلامية المختلفة التي تعمل على وحدة المسلمين، والتواصل معها، والبدء بالعمل في مركز حوار المذاهب المزمع تشكيله في مدينة الرياض للعمل على تحقيق الهدف. اليامي: تحديات الفرقة قائمة ولا حل إلا بالحوار والتضامن الذي سيكفله المركز د. هادي اليامي وصف نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان العربية الدكتور هادي اليامي، مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، في القمة الإسلامية الأخيرة، بأنها خطوة ومنطلق لحل أحد أبرز أزمات الأمة الإسلامية، المتمثلة في وضع الخلافات المذهبية على طاولة الحوار تمهيدا لإيجاد حالة من التفاهم بين المذاهب الإسلامية ومنع الفرقة والتجزئة. وأضاف اليامي «الملك عبدالله، يعبر عن نهج المملكة في حل الخلافات في الأمتين العربية والإسلامية، وقد ابتدأها بتأسيس منهج للحوار داخل المملكة، من خلال مركز الأمير عبدالله للحوار الوطني، الذي وضع منذ نشأته الخلافات على طاولة الحوار، تمهيدا لحلها، والتفاهم حولها، وذلك بطريقة شفافة واضحة، أثمرت كثيرا من النتائج». مبينا أن الملك عبدالله تجاوز هذا الإطار من خلال نقل الحوار إلى دوائر أوسع من الحوار الوطني داخل المملكة، ليشمل الحوار بين المذاهب الإسلامية في سائر بلاد المسلمين، وكذلك الحوار بين الأديان على مستوى العالم، وتلك دعوات تعمق نقاط الالتقاء بين البشر، فالإنسان قد كرمه الله بغض النظر عن دينه وعرقه ومذهبه. وأكد اليامي أن الدعوة إلى تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره الرياض هي بلا شك فكرة رائدة، بحكم أن المملكة هي نقطة التقاء المسلمين جميعهم، فهي مقر الحرمين الشريفين، وهي مهد الرسالة الإسلامية، وهي مصدر الإشعاع الديني. بالتالي فهي تجد نفسها ملزمة من خلال تكليفها الديني والأخلاقي والإنساني، أن تحتضن مثل هذه المشروعات التي ترسخ قيم الوحدة والحوار والإخوة الإسلامية والتضامن بعد أن أضنتها وأتعبتها سنوات الفرقة والتجزئة والمناحرات الطائفية والعنصرية، التي لم تأت إلا من نفوس وقلوب وعقول بعيدة كل البعد عن حضارة الإسلام، وسماحته، واتساع دائرته لتشمل كل المختلفين وكل الأفكار والتوجهات. ولفت الدكتور اليامي، إلى أن الأمة الإسلامية بحاجة في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر إلى شيوع ثقافة الحوار، التي تحمل كثيرا من المعاني ليس أقلها التفاهم والتنسيق والتعارف وقبول الآخر، والتواصل على أرضية النقاط المشتركة، فما بين المسلمين من نقاط التقاء أكثر بكثير من نقاط الفرقة والتجزئة، عدا أن سنين التخلف والصراعات الهامشية أدت إلى تعمق هذه الخلافات بينهم وانتشارها كالنار في الهشيم، مؤكدا وجود أيدٍ خفية لا تريد الخير لأمتنا كانت وراء مثل هذه الخلافات. وشدد اليامي على أنه لا حل ولا خيار أمامنا سوى «الحوار» ولا شيء غير الحوار، شرط أن يكون جادا وواضحا، ويكون المتحاورون مخلصين في حل مشكلاتهم اليومية، مضيفا «من هنا جاءت المبادرة الإسلامية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين لتكون نواة أخرى لحوار المذاهب الإسلامية.. معتبرا أن هذه الفكرة مكملة لطروحات عدة قام بها المخلصون طوال التاريخ الإسلامي العريق، عدا أنها أخذت الجانب الرسمي، وحظيت بإجماع المسلمين الذين لا يجتمعون على باطل، وتم نقلها إلى الجانب العملي، دون إغفال الخطوط النظرية العامة، التي هي منطلق حواراتنا». وخلص اليامي إلى القول: إنه قد آن للأمة الإسلامية – التي هي خير أمة أخرجت للناس – أن تعي أن الفرقة والخلافات لا تخدم سوى أعداء الأمة، الذين يتربصون بنا الدوائر.. ولن تُحل هذه الخلافات إلا بوجود شخصيات مخلصة، مثل خادم الحرمين الشريفين، تتبنى مصالح الأمة العامة، وتسعى لرعايتها. الفتنة الطائفية