خلال قرون عديدة لعب الشعر دورا إعلاميا كبيرا في الاحتفاء برجال الدولة وقادة الأمة، بين وصف لحقائق وتزييف لواقع. وكان الولاة بحاجة لإعلام يرفع أسهمهم لدى الرعية والرعاع، رغم أنه لا خيار لهم فيمن يحكم! وكان الشاعر يبدأ بالشخصيات العامة ثم الولاة وينتهي بالخليفة حسب قدراته وإمكاناته وبلاغته ومبالغاته. في الوقت الحاضر، اتجه الشعر إلى مناح أخرى، وبقي جزء يسير منه في هذا الاتجاه. غير أن الدور الذي كان يلعبه الشعر في مراحل تاريخية سابقة، تحوّل إلى وسائل الاتصال الحديثة التي كثرت وتعددت، ومنحت الجميع فرصة التعبير عن رؤاهم. وأصبحت هذه الوسائل التواصلية المجتمعية ووسائل الإعلام الجديد تلعب تقريبا ذات الدور الذي كان يقوم به الشعر. ولذا كثر الأفراد الذين يلعبون عبر وسائل الإعلام دور الشاعر قديما. هذا الدور أصبح يلعبه الإعلامي والمثقف. فما حدث هو تطور الأساليب والآليات، حيث اتسع البلاط ليضم العشرات والمئات. وأصبحت الجملة الشهيرة «اقطعوا لسانه» تتردد أيضا على ألسنة قنوات اليوم. غير أن أسلوب القطع أخذ مناحي متعددة. الطريف والمؤلم في هذا السياق أنه كلما قطع لسان (الشاعر)، نبت له لسان أطول! والأمر ينسحب على (شعراء) هذا العصر من المثقفين والإعلاميين. وكأن المثقف والسلطة (إعلامية كانت أو سياسية) استمرأ كل منهما لعبة قطع الألسنة، لأنها تحقق لهما مصالح مشتركة، دون النظر إلى قيمة الثقافة ودورها في دفع السلطة إلى العمل الأفضل. السؤال الكبير الذي يستحق الطرح والتوقف هو، هل كان الشاعر في العصور السالفة يمثّل نفسه فقط ؟ بمعنى أنه يعبر عن أحاسيسه، ومشاعره وقناعاته بعيدا عن رؤية الناس والمجتمع! أم أنه في كثير من الأحوال يسعى للكسب المالي، وهذا يقتضي التنازل عن كثير من المثل والمبادئ؟ الجواب تناوله الباحثون وسجّله التاريخ، غير أن ما يعنينا هو واقع اليوم، الذي انتقل فيه الدور من الشاعر إلى الإعلامي والمثقف. ويرتفع السؤال نفسه، فهل هذا المثقف أو الإعلامي الذي يدافع عن الأنظمة، أو ينتقد، أو يبرر لواقع سلطوي، إنما هو يعبر عن رأي الجماهير، أم أنه ممثل لنفسه فقط؟ إنه دور خطير يقوم به المثقفون ورجال الصحافة والإعلام، حين تغلب الأنا على نون الجمع الوطني، ويكون الهدف الأسمى تحقيق مآرب شخصية. إن بعض الأقوال والأدوار والمواقف للمثقفين يمكن أن تقلب بعض موازين القوى في الدولة والأمة، من خلال الصوت الجهوري عبر وسائل الإعلام قديمها وجديدها. النخب المثقفة هي التي يجب أن تكون مؤثرة في صنع القرار. وبالتالي يجدر بها أن تكون أمينة مع نفسها ومجتمعها، ومتحملة مسؤوليتها الأخلاقية. وإذا كان المثقف صوت الأمة وضميرها، فليس من حقه أن يفعل ما شاء، متى شاء. وسؤال أكبر، هل قلب الربيع العربي بعض المفاهيم التي كانت سائدة؟