في الوقت الذي توصف فيها الثورات التي تنتظم عددًا من الدول العربية ب «الربيع العربي» إلا أن الأديب اليمني عبدالرحمن بن عبدالله الأهدل الهاشمي لا يرى فيها غير فتن دمرت كل شيء، موجهًا نقده ذلك إلى واقع الأدب العربي واصفًا حاله ب «المؤسف» الذي «يسير بين المتردية والنطيحة» مشيرًا في ذلك باصبع الاتهام إلى المسؤولين عن الثقافة في الوطن العربي، غير مستثنٍ في نقده كذلك ضعف الدور الذي تقوم به القنوات الفضائية العربية، بتجاهلها للأدب الرصين واهتمامها بالقشور.. مبينًا أن المسابقات الشعرية والأدبية التي تقام تهدف بنسبة 90% إلى الربح المادي، وليس خدمة الأدب.. كل هذه النظرات السالبة والرؤى الناقدة للواقع وغيرها طي هذا الحوار مع الأديب اليمني «الأهدل». واقع مؤسف * من واقع اهتمامك به.. كيف تقرأ واقع الأدب العربي اليوم؟ ** واقع الأدب العربي اليوم مؤسف ويسير بين المتردية والنطيحة، والأدب يمر بمرحلة خطيرة كالإنسان الذي أصيب بجراح بالغة أثخنته وأسرته على فراش المرض وجعلته في وضع خطير لا يستطيع حراكًا ولا نهوضًا ولا تفصيلًا ولا إجمالًا، فرواد الفصاحة والبلاغة والمعاني فرسان هذه اللغة أصبحوا مهمشين وبعيدين عن الواقع خلف القواقع والكواليس يعيشون في الكوابيس لا يتصدرون المجالس ولا يتربعون على المنابر الإعلامية والمراكز الأدبية والمقامات الفكرية والمنتديات والمراكز الإعلامية والثقافية بجميع وسائل الإعلام من مرئي ومسموع ومقروء، أصبحوا مهمشين تهميشًا كاملًا شاملًا خاصًا عامًا وأصبح الظهور لأناس لا نريد أن نحتقرهم. فحال الأدب العربي يرثى له، فرسان الأدب والبلاغة مهمشين ليس لهم حضور في التلفزيون والإعلام والمنتديات والمحافل والمهرجانات والمناسبات يعنى تهميشًا طاحنًا في هذا الظرف الساخن واللون داكن.. ولهذا أتطلع لأن يعود الأدب العربي إلى مكانته الرائدة السائدة في هذا الوطن العربي العظيم ويعود الأديب المثقف اللغوي المتكلم الفصيح ويرى قدره ومقداره وتكريمه ووقاره ويلامس ذلك ويراه حقيقة عيانًا بيانًا وليس أخبارًا أو رؤى أو أحلام أو توجسات وهواجس يعيشها ويتمناها، أتمنى أن يصبح الأدباء كما كانوا إلى مكانه ومركزه ويشعر بقيمته وتقديره ووزنه بين أمته، هناك يبدع وينتج ويحب الناس كلهم بود ومحبة وصفاء وسوف تظل رسالتنا السلام والمحبة والسماحة والأخوة. مسؤولية المؤسسات * برأيك ما أسباب تهميش فرسان الأدب والبلاغة كما تقول؟ ** الذي يقف وراء هذا هي المؤسسات ذات القرار في الوطن العربي بشكل عام، وزارات الثقافة والإعلام والعلم والأدب هذه الوزارات السيادية والقيادية والريادية هي التي تتحمل هذه المسؤولية وتتحمل مسؤولية نحر الأدباء والبلاغيين، نحرهم وذبحهم وإعدامهم في مشنقة التهميش، وفتل حبال الإهمال واللّي والإجحاف بحقهم وليها حول أعنقاهم والإطاحة بهم وقتلهم نحرًا وذبحهم وذبح نصوصهم وفصوصهم وجواهرهم، هذه المؤسسات هي التي تتحمل هذه المسؤولية أمام الله وأمام الرأي العام من العلماء والعوام في كل أمر خاص وعام لأنها صاحبة القرار، هذا الأديب المتكلم هو المعبر بالقول الصادق ولسان الأمة الناطق وضميرها الخافق في المغارب والمشارق وعندما يأتى هذا الأديب إلى المؤسسات الأدبية والعلمية ويكون مهمشًا وآخر الناس حتى إذا حضر في مكان لإنهاء معاملة ينظر إليه بازدراء واحتقار واستخفاف لا يقدم، أسمح لي أن أقول كلامًا مؤسفًا جدًا؛ الآن لاعب كرة القدم يباع بعشرات الملايين وتعطى له العقود ويمنح مميزات، وأنا رجل أديب أري نفسى لا أساوي دينارًا ولا درهمًا ولا قنطارًا وليس لي أي اعتبار أو تقدير إن حضرت في مجلس خاص أو عام، نعم الأديب العالم المفلق اللبق المتكلم لسان الأمة الذي يتلاعب بالمعانى والمفردات ولسان الأمة الذي يدافع عنها ويتكلم باسمها نحن لسنا متشددين ولا ندعو إلى عصبية نحن ندعو إلى الأخلاق والقيم والمحبة والتسامح والود نحن ضد ثقافة العنف والتطرف والكراهية نريد أن نوظف هذا الأدب السامى الذي أمرنا أن نتعامل بأخلاق عالية مع غير المسلمين، ونوجه رسالة من هذا المنبر العظيم منبر صحيفة (المدينةالمنورة) وأنا فوق سفينة الأدب التي تكاد تغرق وتضطرب في أمواج عاصفة أوجه نداءً إلى أصحاب القرار والمراكز القيادية والريادية والسيادية في الوطن العربي عمومًا وفى هذه البلاد المباركة خصوصًا بلاد النبوة هذه البلاد التي لها خصوصية والتي يقودها الملوك الكرام من آل سعود الذين لهم أيادٍ بيضاء في بلاد العرب والعجم، غني عن التعريف ما قلته كفى ومن أري فالمعروف زاد تكلفا، نوجه رسالة للاهتمام بأهل العلم والأدب نريد أهل الأدب وأهل البلاغة وأهل هذه اللغة العظيمة والمتكلمين والأدباء والمفكرين يشعرون بقيمتهم. ثورات مدمرة * هل ترى للأحداث السياسية الأخيرة أي تأثير على مسيرة الأدب العربي؟ ** الآن ما واقع المثقف العربي والمفكر والأديب؟، أصبح البعض أبواقًا وأذنابًا في كل حارة وزقاق، أين الفكر؟ هذا الأدب العظيم هو لسان الأمة وضميرها وعندما يخرب هذا الإنسان ويتردى ويسقط في مهاوي الرذيلة وينحط من أخلاقه وقيمه ومبادئه ويصبح بوقًا للفتن، الآن الإعلام أليس جزءًا من هذه التركيبة والنسيج الفكري والأدبى والثقافى، الإعلام أصبح يؤدي دورا معاكسا للجادة والحقيقة يمتطيه المثقف السطحي بعكس اتجاه الريح، لقد صار دور المثقف والمتكلم سلبىًا، دور التحريش والتحريض والفتن، ماذا كان الناس يسمون الشخص الذي يُحرش بين زيد وبكر، هذا العمل الآن موجود، اللهم بعد أن كان عملًا فرديًا أصبح عملًا مؤسسيًا إعلاميًا منظمًا وراءه جهات تدعمه وهو التحريش والتحريض وإيقاع الفتن بين الشعوب، أوطاننا تتحطم وتاريخنا يتهشم وأخلاقنا تتهدم ومنجزاتنا تتنكس وأخضرنا يتيبس، كل ما بناه الأخيار في سنوات دمروه أُناس الآن تحت مسمى الثورات العربية ما هذه الثورات لأن المصلح لا يفسد والمصلح إذا جاء يصلح على ما هو موجود ولا يدمر ما بناه الناس، فهذه الثورات دمرت كل شيء، هذه ليست أخلاق الإسلام والإسلام كان رحمة حتى على الحيوانات والبهائم، الواقع الآن تفيض له العين بالدمع وينفر منه السمع، ما نشاهده لا يتناسب ولايتلاءم ولا ينسجم مع ذرة من ذرات الإنسانية ويقولون هذه ثورات، فهل عميت القلوب وانطمست البصائر، إن الأمة تمر بمرحلة خطيرة مرحلة تفكيك وشرذمة وتدمير، ومن هذا المنطلق نحيي علماء الحرمين الشريفين الذين قاموا بدورهم وأصدروا فتواهم من أول يوم وقالوا هذه المظاهرات «لا تجوز». مسابقات تجارية * وأين تقف من المسابقات والمحاورات الشعرية التي تقام على المستويين المحلي والعالم العربي؟ ** لا أريد أن أقلل من قيمة ما يطرحه الناس؛ لكن 90%من هذه المسابقات والمحاورات الشعرية تجارية وربح مادي ومسابقات سطحية لا تستند إلى قواعد علمية وفكرية وأدبية ومعرفية وثقافية، لا تستند إلى ينابيع غزيرة من الأدب والمعرفة والعلم وإلى مصطلحات ومراجع وأبجديات من الثقافة والفهم الغزيز والمعانى الدقيقة ولكنها مسابقات تجارية وغالب ما يجري عليها كلام «غث» «هش» ليس له قاعدة وأضعف من القش كلام ليس له قاعدة وذلك المضمون الأدبي الغزيز السمين، والمقصود بكل أمانة من هذه المسابقات الربح المادي، لماذا لا يخصصون سنويًا جوائز للأدباء المبرزين وأهل الفصاحة، ولم تعالوا وصوتوا كلها على الجماهيرية وتعصيب الناس وتجميعهم وبعثت العنصرية والمناطقية والقبلية، وصرنا نتفاخر بالكلام الفاضي وليس عندنا أعمال على الواقع تؤيدنا وتنصرنا. تغييب المرأة * وأين المرأة من الأدب العربي؟ ** المرأة غُيبت وصارت تبحث عن لغة الجسد والمفاتن والتقاسيم، أين الشاعرات العربيات المبدعات، أين الأديبات مثل عائشة التيمورية مثل الخنساء بنت تماضر، والمرأة صارت تبحث عما قال عنها الشخص، أين المرأة نتلمسها ونتحسسها نبحث عنها في هذا الليل البهيم في هذا الوضع العقيم وفي هذا الأدب اليتيم نبحث عنها، المرأة شريك ورديف وأساسي، نحن نبحث أين موقع المرأة من الأدب العربي وأين تحسسها وتشوقها، وقد ظهرت لنا كثير من الشاعرات الآن، فأصبحنا نسمع كلامًا مترديًا لا يصل إلى درجة الأدب الثقيل الرزين أدب المعانى والقيم ولكن كلام كله «تعبان». طامة كبر * برأيك هل قامت القنوات الفضائية العربية بدورها تجاه خدمة للأدب العربي؟ ** هذه هي الطامة.. الإعلام هو الذي يلعب الدور، التلفزيون والإعلام يبث الغث والسمين، كحاطب الليل، الذي يجمع بين جيد الحط ورديئة، وهذه القنوات لما لم تجد رقيبًا ولم تجد من يحسن تنظيمها وترتيبها وأطلق الحبل على الغارب في المشارق والمغارب.