أشرتُ في مقالي السابق إلى أنّ لي وقفةً وتعليقاً، أمّا الوقفة فقد استوفيتها، وأمّا التعليق فسأتناول فيه جانباً من شخصية بعض المحاورين، ثمّ موضوع الحوار. إنَّ ما يلفت الانتباه في بعض جلسات الحوار انعدام التكافؤ بين المتحاورين، فليس كلُّ إنسان مؤهلاً لأن تحاوره، فمهما أوتيت من العلم وسعة الصدر فلن يقبلك، والقبول هو أول شروط الحوار الإيجابي، لذلك تحقّقْ من شخصية محاورك، فهو إمّا عاقل يصغي إليك باهتمام، ويراجع ما قلته، ويُعلّق عليه بأدب، ويبني آراءه على علم ومنطق، ويهدف من وراء حواره إلى عرض ما عنده ومعرفة ما عندك من دون المساس بشخصك ولا بمعتقدك، وإمّا جاهل يسعى إلى التحاور ليؤكّد ذاته، وليس لديه من العلم والأدب ما يُؤهّله، ويُشعِرك من كلامه بأنه في معركة ينشد من ورائها النصر ويرفض الهزيمة، فهذا الصنف، أغلق دونه الباب، ودعْهُ ينعم بجهله. وهناك آخر يمتلك علماً، لكنّه يفتقر إلى أُسُس أدب الحوار، فأنصت إليه والتزم الهدوء، وأشعره بأنّ ما لديه يستحقّ الإصغاء، وهذا الشخص يفيدك ولا يستفيد منك، ولو كنت أعلم منه. بقي لدينا متحاور لديه علم مع أدب جمّ، لكنّه لا يُحسِن التعبير بالكلام، لذا تصلك منه رسائل قد تكون سلبيةً أحياناً، فترفّقْ بهِ لأنَّ الحوار معه سيكون من أنجح الحوارات. أمّا ما يتعلّق بالموضوع، فإنّه يمكن القول إنّ للحوار مرتكزاتٍ ثلاثةً، هي طرفا الحوار، والموضوع، لذا فإنّ الاجتهاد في تخيُّرِه أمرٌ مطلوب، ومن الضروريّ جداً أن يلائم شخصية المتحاورين، من حيث الأهمية والإحاطة به، وأن يكون الوصول إلى قواسم مشتركة هدفاً استراتيجياً لهم. إنّ الحوارات التي تنتهي بالإخفاق والتنازع غالباً ما يكون سببها خللاً في انتقاء أحد هذه الأركان الثلاثة.