«وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون» (المنافقون: 4). «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (الكهف: 103، 104). كثيراً ما يستدل بعض من القوم الذين جنحوا لشيء من الأصولية والتشدد بهاتين الآيتين ليصموا بها خصومهم أو من اختلفوا معهم فكرياً ممن سلكوا طرق وسطية معتدلة أو أكثر تماشياً مع العصر والواقع من أهل الملة من المسلمين، والآيتان الكريمتان تصفان ولا تصنفان، ومن أمثلتهما في القرآن كثير على نحو يجعلهما تنطبقان على كثير من الناس إذا ما أطلقت على عمومهما، فالأولى تصف من تشير إليهم رمزاً فينبرون لك عياناً تستحسن قولهم وهيئتهم، والأخرى تنطبق على من يظهرون وهم يصرّون على مواقفهم، بينما هو في رأي من يحاجهم خطأ وضلال. لقد سمعت من على المنابر وفي بعض القنوات الحوارية أكثر من مرة، من يصف من اختلف معهم في مسائل فقهية وليست عقائدية مستشهداً بهاتين الآيتين التي ذكرتهما بعد نزعهما من سياقهما. والسؤال الذي أضعه هنا، هل سيتجرأ أولئك أو أي فريق كان لدى الاستشهاد بهاتين الآيتين أن يأتوا بمكملتيهما اللتين تصنفان ولا تصفان، فالآية الأولى تتمتها في الآية التي قبلها «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ» (المنافقون: 3)، أما الآية الثانية فمكملتها: «أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا» (الكهف: 105).