لا شك أنّ انهيار النظام السوري لن يكون مجرد حدث عابر تتناقله وسائل الإعلام أو يفرح به الشعب السوري لوحده. إذ من المنتظر أن يؤدي انهياره وبهذه الطريقة بالتحديد على أيدي الثوار والجيش الحر إلى تحوّلات جيوبوليتيكية عميقة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى صعيد الاختراق الإيراني للعالم العربي وأيضا توازن القوى بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي ولاسيما المملكة العربية السعودية. ورغم الدعم اللامحدود السياسي والمالي والعسكري الذي تقدّمه طهران إلى النظام السوري، فإنّ الوضع الداخلي والخارجي الذي تعيشه اليوم لا تحسد عليه. ففي الوقت الذي كانت فيه السلطات الإيرانية تعلن عن اختبار ناجح لأنموذج جديد من الصواريخ الإيرانية، كانت أزمة الدجاج تضرب أطنابها عميقا في جذور المجتمع، لدرجة أنّ الكهنوت الديني تدخّل بطريقته العجيبة للحد من هذه المشكلة، فالمرجع الديني ناصر مكارم الشيرازي قال: «لا تجعلوا الأكل هما لكم، ولا تجعلوا من قضية الشح باللحوم والدجاج قضية ساخنة»، بل ونهى عن أكل الدجاج أيضا! فقال «إن الأطباء ينصحون بالابتعاد عن أكل اللحوم والدجاج لأنها مضرة بالصحة، فتجنبوها». وأكثر من ذلك فقد استلزمت أزمة الدجاج تدّخل قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني العميد إسماعيل وحيدي مقدم، الذي طالب الإعلام بعدم بث صور لأشخاص يأكلون الدجاج «لأن هذه المشاهد تشعل توترات اجتماعية لا يمكن التنبؤ بعواقبها». هذا الوضع الداخلي والخارجي الذي تعيشه إيران اليوم يذكّرنا بأنموذج كوريا الشمالية، دولة معزولة تمتلك صواريخ نووية لكن شعبها يموت جوعا وفقرا. لقد حان الوقت لكي ينتقل العرب من السياسة الدفاعية الخجولة التي كانوا يتّبعونها إزاء إيران إلى سياسة هجومية تعمل على تحجيم إيران ووضع حدّ لأذرعها الأخطبوطية في العالم العربي. وتعد المرحلة الحالية أنسب المراحل لتحقيق هذا الهدف خاصة أن طهران لم تمتلك السلاح النووي بعد، ولذلك فمن المتوقع أن تقوم بحركة أخيرة يائسة قبل انهيار مشروعها الإقليمي تعزز من خلالها دعمها للمجموعات غير الحكومية ولعصاباتها الطائفية وخلاياها النائمة في عدد من البلدان العربية على أمل أن لا تفقد ما استثمرته في العالم العربي منذ عام 1979. على الدول العربية أن تضع سياسة موحدة الآن للتعامل مع طهران خلال المرحلة المقبلة لكي تفهم الأخيرة أنّ ما بعد انهيار الأسد ليس كما قبله، وأنّه لم يعد بالإمكان السكوت على الوقاحة الإيرانية كما على عملائها في العالم العربي سواء ممن يخدمونها بشكل مباشر أيديولوجيا أو ممن يخدمونها بغبائهم بشكل غير مباشر، وهؤلاء أكثر وأخطر.