الكوميديا في حياة الشعوب جزء من ثقافتها، وجزء من الفن الخالص أيضاً. فماذا لو كانت كوميديا سوداء ساخرة؟ إنها تصف حال الناس بتفاصيلها، نفسياتهم، تطلعاتهم، وما يهمهم أيضاً، وكيف يحوّلون ذلك إلى كوميديا. هو ما قد يسمى بالضحك بغية البكاء، صلة جدلية مباشرة بين الضحك والألم، الحزن والسخرية. وقد تتحول السخرية الناقدة إلى «سلاح» ضمني للتغيير، تغيير المجتمع، أفكاره، سلبياته، أو حتى دعم الإصلاح العام، وليس السياسي بمستثنى. حين نشير إلى الكوميديا السوداء في العالم العربي، فإننا حالاً نتذكر المصريين، وكيف برعوا في تسخير الكوميديا في كل القضايا. وربما يعدّ المصريون من أكثر الشعوب العربية التي جعلت من معاناتها مادة للسخرية. على رغم أن الكوميديا السوداء والمتعلقة بالسياسة تحديداً استخدمت عالمياً كوسيلة للتهكم على الأنظمة. لاسيما في المجتمع الأمريكي الذي يتناول قضاياه في سخرية جريئة على شاشات التلفزيون وفي الحياة العامة. ولا أحد كالمصريين الذين جعلوا من تلك الكليشيهات متنفساً، فلمصر تاريخ كوميدي سياسي حافل. وقد انتعش في فترة الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان مادة لكثير من النكات. وكان معروفاً بأنه يبدأ يومه بقراءة تقرير الاستخبارات عن النكات التي تناولته، وكان يسميها «نكات الصباح». واستخدم الشعب المصري النكتة السياسية للتعبير عن مرارة الصدمة التي أحسّ بها بعد نكسة عام 1967 وكان الجيش المصري محورها. وكان لثورة يناير المصرية الأخيرة نصيب باذخ من الكوميديا السوداء، فجعلوا من المرارة مادة كثيفة للسخرية. ومن النكات العربية الساخرة: «سأل الرئيس العربي مسؤوله: كيف حال الشعب بعد ما غلّينا العيش؟ فقال: يا سيدي بياكل تبن. فقال له: طيب غلّي التبن!». وهنا نكتة عربية أخرى: «زعيم سياسي في بلد متأخر، اقترح عليه أحد الحاشية اقتراحاً فقال: لماذا لا نسعى إلى أن تستعمرنا دولة كبرى مثل أمريكا فتقيم لنا المصانع والطرق والمطارات والمستشفيات ثم نطردهم فيما بعد؟ فأجاب الزعيم: وكيف نجعلهم يأتون لاستعمارنا؟ فرد عليه: لدينا طائرتان نرسلهما في غارة على أمريكا فتغضب أمريكا وتأتي لاستعمارنا. فرد الزعيم: وإذا تمكنت الطائرتان من هزيمة أمريكا.. ماذا نفعل؟!». حرية التعبير السياسية تحديداً ليست واحدة بطبيعة الحال لدى الشعوب العربية. هي نسبية، فالشعوب التي عانت حروباً وثورات واضطرابات سياسية تهيأت لها نسبة أعلى من حرية التعبير. وبسبب هذا التفاوت، مارس بعض الشباب الخليجيين إسقاطات قضاياهم على الشعوب المجاورة وتناولوها بكثافة، غالباً بسبب التابوه السياسي المحلي. فضاء التواصل الاجتماعي السايبري جعلنا نكتشف مدى خفة دم السعوديين من أبناء جلدتي. إنهم يبارون كثيراً الحس الساخر للمصريين، من خلال النكات والأحاديث وبرامج اليوتيوب الشبابية الساخرة التي تتناول القضايا العامة، أو حتى من خلال الكاريكاتير. السعوديون جزء من العالم الذي وظف وبقوة «الكوميديا السوداء» في يومياتهم وببراعة لافتة. وهنا واحدة من أعمقها وقعاً: «طرحت مناقصة لصيانة سور البيت الأبيض. تقدم مقاول أمريكي ومكسيكي وسعودي للمناقصة. الأمريكي أخذ مقاسات السور وتقدم بسعر 900 دولار. سأله مسؤول البيت الأبيض: ليش 900 دولار؟ قال: 400 دولار مواد و400 دولار عمالة ومائة دولار فائدتي، والمكسيكي أخذ مقاسات السور وتقدم ب700 دولار للمناقصة. لما سأله قال: 300 دولار مواد و300 دولار عمالة ومائة دولار فائدتي. أما السعودي بدون ما يأخذ أي مقاسات راح لمسؤول البيت الأبيض وهمس في أذنه: أنا سعري ألفان و700 دولار. مسؤول البيت الأبيض صرخ فيه: أنت مجنون ليش هالمبلغ؟! رد عليه السعودي بكل برود وبهمس شديد: طوّل بالك.. ألف دولار لك وألف دولار لي ونخلي المكسيكي يسوّي الشغل. وفاز السعودي بالمناقصة. وتعثر المكسيكي في التنفيذ ثم اشترط لإكمال التنفيذ، وأعيد دعم المناقصة مرة أخرى من صندوق مخالفات ساهر في السعودية!». وهنا أخرى شبيهة «مسؤول سعودي زار مسؤولاً أمريكياً وسأل الأول الثاني: أنتم كيف تسرقون؟ فقال: شايف المشروع اللي قدامنا؟ قال السعودي: إيه شايفه، فرد الأمريكي: هذا كلف مليار دولار ضبطناها وقلنا إنه كلف ملياراً ونصفاً.عندها سأل الأمريكي: طيب أنتم كيف تسرقون؟ فقال السعودي: شايف المشروع اللي هناك؟ قال الأمريكي: ماني شايف شيء! قال السعودي: يا عيني عليك، هذا يا سيدي كلف ملياراً ونصفاً!». وهنا وصف لسلوك اجتماعي: «أثبتت دراسة عالمية بأن السعودي: أذكى مخلوقات الأرض، بدليل أنه عندما يشتري أي جهاز إلكتروني أول شيء يفعله يرمي الكاتلوج». وإضافة لما ظهر من نكات اجتماعية ساخرة حول «أبوسروال وفنيلة» التي ربما أسهمت ضمنياً ولو بشكل غير متعمق في النقد والسعي للتغيير الاجتماعي، وهنا وصف اجتماعي ساخر آخر «بنت شافت جواز زوجها مكتوب المهنة (رجل أعمال) راحت شخمطت عليه وكتبت (رجل مزنة)».