كثير من المسلّمات لا تزيد عن ترهات! هكذا فند مالك بن نبي فكرة الاختراع والحاجة؛ فأحضر مثلا عن المكنسة الطويلة لعود طويل. قال جداتنا انقصفت ظهروهن بالمكنسة القصيرة ومع كل الراحة والحاجة للطويلة فلم تخترع. ويعلق صاحب كتاب (وحدة المعرفة) محمد حسين عن مغالطات عقلية كبرى يكررها البشر وهم حمقى لا يدركون ولا يصححون نظرتهم للعالم، مثل (الثنائية) وعلى هذا النغم ضربت أيضا المدرسة اللغوية العصبية (LNP) عن ضلال وتشويهات اللغة للعديد من الأشياء. يقول محمد حسين يقول البشر: حار وبارد ولكن هذا لأننا نريد أن نجعل من أنفسنا مركز العالم؛ فالحار هو ما ارتفع عن درجة حرارة أجسادنا أي عند الأربعين مثلا. وهي حق وحقيقة لأدمغتنا وليس لأدمغة الدجاج مثلا؛ فهي في حرارة 42 بشكل عادي ويحترق دماغنا عند هذه الدرجة! لذا ينادي الأطباء بتخفيض الحرارة بأي طريقة ولو بوضع الثلج مباشرة على الرأس، ولكن الوجود في الحرارة والبرودة لايقوم على مقاسنا؛ فهناك من درجات الحرارة ماترتفع فيه على سطح الشمس إلى ستة آلاف درجة، ومنه تشكلت المعادن بدمج الهيدروجين، بكلمة أدق رفع محتوى الذرة من البروتونات؛ فالهليوم هو أربع ذرات هيدروجين، كما أن اليورانيوم هو حاصل تجمع 92 بروتونا، ويقول علماء الأركيولوجيا والباليتنولوجيا أن عناصر الأرض تشكلت من هذا الضغط المتكرر لذرات الهيدروجين، من خلال الحرارة التي تصل في باطن الشمس إلى أكثر من مليون. وطالما تحدثنا عن الحرارة صعودا فلنتحدث عنها هبوطا فلقد استطاع كالفن رصد الحرارة حتى 273.15 على أنها الدرجة القصوى في البرودة التي مابعدها برد وهي ليست درجة التجمد بتحول الماء إلى ثلج بل دونها ب 273 درجة إضافية نزولا إلى قبو البرودة المطلقة. خلاصة ما نصل إليه بطلان هذه المقولة عن علاقة الحاجة مع الاختراع فقد يحصل اتفاق عرضي لذلك، وقد يبقى الناس قرونا في حاجة لأشياء عظم أمرها فلا يصلون إليها؛ الأمراض والصادات الحيوية، الديكتاتوريات ومعاناة الشعوب، كما في سوريا الثورة هذه الأيام فقد رزح الناس نصف قرن في قبضة مافيا إجرامية ومع كل الحاجة والضغط للتخلص منهم لم يحدث هذا حتى جاء حريق البوعزيزي فأدخل إلى روعهم أنها عملية سهلة تخلص في أسابيع قليلة، ولم ينتبهوا إلى أنها رحلة ليست عرضا قريبا وسفرا قاصدا مريحا، بل مخاض دموي سيخلص له البلد إلى الحرية، ولكن لن يبقى حجر على حجر. «وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا».