قال عنه أبو نعيم في «الحلية»: «التائه الوحيد، الهائم الفريد، البسطامي أبو يزيد. تاه فغاب، وهاب فآب، غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات. فارق الخلق ووافق الحق، فأيد بأخلاء السر، وأمد باستيلاء البر، إشاراته هائنة وعباراته كامنة، لعارفيها ضامنة، ولمنكريها فاتنة». وكلمات الأصفهاني أتت على تعريف منهجه ومكانته ومذهبه على أكمل الوجوه وأدقها. طيفور بن عيسى البسطامي، إمام من أئمة أهل الطريق، وفيلسوف مذهب الفناء. صاحب المجاهدات والمشاهدات، ومقدم في مذهب الحب الإلهي، الذي يرتكز على أن حب الله لعبده هو الذي أنشأ حب العبد لربه، أي أن الله إذا أحب عبدا قذف في قلبه حبه عز وجل. ولهذا يقول: ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير. وقال أيضا: «غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء: توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه. فلما انتهيت، رأيت ذكره سبق ذكري، ومعرفته تقدمت معرفتي، ومحبته أقدم من محبتي، وطلبه لي حتى طلبته». وجدير بأبي يزيد أن يذهب إلى مذهب رابعة العدوية في مقام الغفلة عن الجنة بأخذه الحب الإلهي فهو يقول: «الجنة لا خطر لها عند أهل المحبة، وأهل المحبة محجوبون بمحبتهم». معناه أن نظر أهل المحبة إلى محبتهم حجاب عن الله حيث انشغلوا بمحبتهم عن الله وأخذهم الإعجاب عن ربهم. وفي هذا المعنى يقول: «إن الله يرزق العباد الحلاوة، فمن أجل فرحهم بها يمنعهم حقائق القرب». واشتهرت مدرسة أبي يزيد باسم الطيفورية في القرنين الثالث والرابع. ومن أتباعها عدد من كبار الأولياء ومشاهير السالكين. ومذهبه في الفناء يعرف بمعرفة حقيقة الفناء عند الصوفية، وهو فناء الخلق بتجلي صفات الحق فيفنى العبد عن نفسه في المرتبة الأولى، ثم يفنى في المرتبة الثانية عن صفات الحق بتجلي الحق، ثم يفنى عن فنائه وعن مشاهدة فنائه باستهلاكه في وجود الحق. وهذه المرتبة الثالثة هي التي قال فيها من قال أنا الله، لأنه في حالة من الفناء عن نفسه وصفاته وشهوده لفنائه، فلا يرى في الوجود سوى الله، فيسيء الأدب في حالة من السكر اللاإرادي، فيشعر بالاتحاد بين الذات والذات، ويتجاوز مرتبة تجلي الصفات على الصفات.