سمى عبدالرحمن بدوي، رابعة العدوية، في كتابه عنها «شهيدة العشق الإلهي»، وجعله عنوانا للكتاب. هي أم الخير، أو أم عمرو، رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية. كانت مولاة لآل عتيك. احترفت العزف والغناء، ثم أعتقها أحدهم، فاستقرت في البصرة لتعمل عازفة للموسيقى، ثم مرضت وبرأت من مرضها، وأدركتها العناية الإلهية، فانقطعت عن الدنيا واتجهت إلى الزهد. كانت من رواد التصوف والعبادة، وكان يتردد عليها كبار الأولياء في ذلك الزمان فتعظهم، منهم سفيان الثوري، الإمام الزاهد المشهور، وكان يسميها المؤدبة. صاحبة مذهب مشهور في الحب الإلهي ورائدة له، وهو الحب الذي لا غرض له سوى الله عز وجل، وهو ظاهر في مقولات مشهورة لها منها: «ما عبدته خوفا من ناره ولا حبا لجنته، بل عبدته حبا فيه وشوقا إليه»، وهذا من أعلى مقامات الأولياء وأصفى مراتب الإخلاص. وقد سار على مذهبها في الحب عدد من مشاهير التصوف في التاريخ. ويكاد التصوف المعاصر أن يجعل هذا المذهب غاية يصل بالمريد السالك إليها، حيث لا يبقى في قلبه ونيته سوى الله تعالى. وكانت تناجي ربها عز وجل قائلة: «إلهي تحرق بالنار قلبا يحبك؟ فهتف بها مرة هاتف: ما كنا نفعل هذا، فلا تظني بنا ظن السوء». وهذا من أقوالها في الحب، ومن الأدلة على اهتمامها بالنعيم والعذاب عند الله، ولكن السالك يصل إلى مقامات وتعتريه أحوال لا يشعر بالجنة ولا بالنار كدافع للعبادة، بل يكون الحب قد أخذ بمجامع القلب. وإلا فهي في بعض مراحلها تصعق من ذكر النار وتسقط على الأرض، كما اشتهر عنها. ولها مأثورات من النثر والشعر من أرق وأعذب ما يقال في هذا الباب ذكرها أهل التراجم، وكتب فيها أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً ذكر فيه كلامها وأخبارها. كانت تنادي الله في كل ليلة على سطح دارها: «إلهي هدأت الأصوات، وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك أيها المحبوب، فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة عتقي من النار».