تتسارع الأحداث في سوريا باتجاه انهيار النظام السوري بعد التقدّم الكبير الذي حققته المعارضة السورية بشقيها المسلح عبر الجيش السوري الحر، والسياسي عبر المجلس الوطني السوري. ومع تواصل هذا التقدم نرى إصرارا من قبل نظام الأسد على تدمير سوريا قبل الرحيل. فبالتوازي مع تدمير المدن والقرى والأرياف، يجري العمل حاليا على تدمير النسيج الاجتماعي السوري وفك اللحمة الوطنية من خلال إعلاء الغرائز الطائفية والاثنية ولا سيما ورقة الأقليات العلوية والكردية. إذ لوحظ أنّ النظام سعى مؤخرا إلى إبراز الورقة الكردية بعدما كان الحديث يدور عن احتمال لجوئه إلى خيار الدويلة العلوية، فقام بتسليم إدارة بعض المناطق والمؤسسات إلى النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الذي قام بإنزال الأعلام السورية ورفع الأعلام الكردية على المؤسسات والإدارات. وقد جاء ذلك بالتوازي مع مطالب كردية في سوريا بضرورة الاعتراف بحق تقرير المصير لهم، وبحق الإدارة الذاتية لمطالبهم وربما الفيدرالية أيضا، وما يزيد من الشكوك حول وجود نوايا سيئة تهدف إلى تقسيم سوريا وتجزئتها. على أنّ ما لهذا السيناريو من مخاطر، إلا أنّ إمكانية تحقيق مثل هذا الأمر يعتبر صعبا جدا، فأكراد سوريا لا يشكلون إلا نسبة قليلة من عدد السكان تتراوح بين 5% و8% كأقصى حد، وذلك لا يتيح لهم أن يمتلكوا القوة التي تخولهم الدفع باتجاه هذا المطلب. كذلك، فإن المناطق التي يقيمون فيها ليست متواصلة وممتدة بحيث تشكّل خطّا واحدا تقام عليه دولة أو إقليم، ناهيك عن أنّ مثل هذه الطروحات البعيدة كل البعد عن الحقوق الأساسية المشروعة لا يوافق عليها غالبية الشعب السوري خاصة الثوار السوريين الذين لا يرون أي أساس شرعي لمثل هذه المطالب في وقت يسعون فيه إلى سوريا واحدة موحدة يكون لكل مواطن فيها كامل الحقوق والواجبات كغيره من المواطنين كائنا ما كان انتماؤه الطائفي أو العرقي. إضافة إلى ذلك، فلم نلمس حتى الآن وجود جهود دولية تصب في إطار دعم مثل هذا السيناريو، وإن كان الغرب لا يؤتمن عادة على هكذا أمور وهو الخبير في عملية التقسيم والاقتطاع، لكن حتى الآن لا يوجد دعم لمثل هذا الخيار. وغني عن القول أيضا أن أكراد سوريا منقسمون على أنفسهم وليس لديهم شخصية قيادية يجتمعون عليها، علما أنّ عددا منهم يعمل ضمن الإطار الوطني الجامع لسوريا ولا يحصر فكره في الإطار القومي الاثني الضيّق. في المقابل، لا ينبغي لكل هذه المعطيات أنّ تقلل من المخاوف المرتبطة بمثل هذا السيناريو الذي يعتمد الورقة الكردية، وهو ما يوجب علينا أن نتابع المؤشرات والمعطيات الداخلية والإقليمية والدولية بكل دقة، فما يبدو اليوم مستحيلا أو صعبا قد يبدو غير ذلك مستقبلا.