الدمام – منى الشهري القرضاوي وبن بيه وإفتاء الأردن والكويت يجوِّزونه .. ولجنة الإفتاء: مِنْ عِلْم الغيب. المصلح: طلب جنس معين في الولد لا محظور فيه شرعاً. الدولة: تراخيص لثمانية مراكز وتأجيل افتتاح تسعة. تتجه أسر سعودية وخليجيّة عديدة إلى تحديد جنس المولود، في الوقت الذي مُنحت فيه ثمانية مراكز في المملكة تراخيص لعلاج مشاكل العقم والإنجاب، وفي ظل سيطرة ثقافة «المولود الذكر» في المجتمع السعودي والعربي بشكل عام، عن طريق استخدام الجداول الغذائية وحسابات التبويض والغسول الكيميائي وصولاً إلى الاتجاه إلى هذه المراكز الطبية للحصول على نتائج مضمونة. ومع اختلاف الفتاوى الفقهية بين علماء المسلمين في الدول العربية التي تجيز وترفض تحديد جنس المولود، فإن مراكز متخصصة في العقم وتأخر الإنجاب تقوم بتحديد جنس المولود في السعودية وخارجها، وتشير تقديرات الأرقام إلى تجاوز عدد المواليد في السعودية 500 ألف سنوياً. قولان لأهل العلم د. خالد المصلح في دراسة شرعية مستفيضة للشيخ الدكتور خالد بن عبدالله المصلح حصلت عليها «الشرق» فند أدلة التحريم والجواز حول تحديد جنس المولود قبل أن يتخلّق، وذكر أنه يمكن القول إن لأهل العلم في تحديد جنس الجنين قولان في الجملة فالأول: أن الأصل في العمل على تحديد جنس الجنين الجواز. وأنه لا مانع منه شرعًا. أما القول الثاني فيقول: إن العمل على تحديد جنس الجنين لا يجوز. ما جاز سؤاله وأوضح أن الأصل جواز تحديد جنس الجنين بعدة أدلة منها، الدليل الأول: أن الأصل في الأشياء الإباحة والحل حتى يقوم دليل المنع والحظر؛ في قول جمهور أهل العلم؛ وليس لدى من قال بمنع العمل على تحديد جنس الجنين دليل يستند إليه، فيبقى الأصل محفوظًا مستصحبًا. والدليل الثاني: أن طلب جنس معين في الولد لا محظور فيه شرعًا. فالله تعالى قد أقرَّ بعض أنبيائه الذين سألوه في دعائهم أن يهب لهم ذكورًا من الولد، فهذا نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى أن يرزقه ولدًا ذكرًا صالحًا، فأجابه الله تعالى، قال تعالى فيما قصَّه عن إبراهيم «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ». وكذلك نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام دعا ربه أن يهبه غلامًا زكيًا، فقال الله تعالى «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ». ولو كان هذا الدعاء سؤالاً لمحرم لكان محرمًا ولمنعه الله تعالى ولما أقرَّه؛ فإن الدعاء بالمحرم محرم. وقال إنه لما جاز الدعاء بطلب جنس معين في الولد، وهو سبب من الأسباب التي تُدرك بها المطالب -دلّ ذلك على أن الأصل جواز العمل على تحديد جنس الجنين بالأسباب المباحة؛ لأن ما جاز سؤاله وطلبه جاز بذل السبب لتحصيله. الأسباب الطبيعية وذكر المصلح أنّ الدليل الثالث في أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن السبب الطبيعي الذي يُوجِب الإذكار أو الإيناث بإذن الله. ففي صحيح الإمام مسلم من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب اليهودي الذي سأله عن الولد. فقال صلى الله عليه وسلم: «ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فَعَلا مَنِيُّ الرجل مَنِيَّ المرأة أذْكرا بإذن الله. وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله» وهذا يفيد أن الإذكار والإيناث في الجنين أمرٌ يستند إلى سبب طبيعي معلوم. وليس في الحديث ما يشعر بأنه مما استأثر الله به. يجوز أخذ الأسباب وأوضح المصلح من خلال بحثه أنه نوقش هذا الدليل من جهتين الأولى: عدم صحة لفظ حديث ثوبان قال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية «وسمعت شيخنا رحمه الله يقول في صحة هذا اللفظ نظر». ويجيب المصلح على هذا بأن الحديث صحيح لا مطعن في سنده، ولا منافاة بينه وبين حديث عبدالله بن سلام. وليست الواقعة واحدة، بل هما قضيتان. ورواية كل منهما غير رواية الأخرى. الثانية: أن الإذكار والإيناث ليس لهما سبب طبيعي، بل هو مستند إلى مشيئة الخالق سبحانه. فقد ردَّ الله تعالى ذلك إلى محض مشيئته، فقال: « يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ«. ويشهد لهذا ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مراحل خلق الإنسان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ما يقوله المَلَك عند الخلق: «قال: يا رب أذكر أم أنثى، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك». قال ابن القيم: «فكون الولد ذكرًا أو أنثى مستند إلى تقدير الخلاق العليم كالشقاوة والسعادة والرزق والأجل». ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحال بالإذكار والإيناث على مجرد المشيئة، وقرنه بما لاتأثير للطبيعة فيه من الشقاوة والسعادة والرزق والأجل. ولم يتعرض المَلَك لكتابة الذي للطبيعة فيه مدخل». ويجيب المصلح على ذلك بثلاثة أقوال: الأول استناد الإذكار والإيناث إلى مشيئته سبحانه لا ينافي حصول السبب، وكونهما بسبب لا ينافي استنادهما إلى المشيئة. فالأسباب التي قضى الله تعالى أن تكون سببًا لمسبباتها لا تخرج عن تدبيره ومشيئته، فالأسباب طوع المشيئة والإرادة ومحل جريان حكمها عليها. فيقوِّي سبحانه بعضها ببعض، ويبطل إن شاء بعضها ببعض، ويسلب بعضها قوته وسببيته ويعريها منها، ويمنعه من موجبها مع بقائها عليه. الطبائعيون ودور الطبيعة وتضمن رد المصلح الثاني على أن من تكلموا فيما تضمنه حديث ثوبان من سبب الإذكار والإيناث لا يناقشون في أصل سببيتهما. ولكنهم يمنعون قول الطبائعيين الذين يجعلون للطبيعة تأثيرًا مستقلاًّ في الإيجاد والخلق. أما رده الثالث فيقول فيه إن ما ذكر من اقتران الإذكار والإيناث بما لا تأثير للأسباب فيه كالشقاوة والسعادة والرزق والأجل دليل على أنهما لا يستندان إلا إلى مجرد المشيئة – فهذا غير مسلم لوجهين: 1- أن دلالة الاقتران على الاتفاق في الحكم والتساوي ضعيفة في قول أكثر الأصوليين، فاقتران ما له سبب كالإذكار والإيناث بما ليس له سبب كالشقاوة والسعادة لا يفيد الاتفاق والمساواة في عدم السببية. 2- أن السعادة والشقاوة والرزق والأجل كلها بأسباب، وكون أسباب هذه الأمور لا تكون إلا بعد الولادة لا يلزم منه استواء جميع المذكورات في وقت السبب وزمنه. فالسعادة والشقاوة والرزق والأجل لا تكون إلا بعد الولادة بخلاف الإذكار والإيناث فإنهما يكونان قبلاً؛ لذلك تقدم زمن ما قدره الله من أسبابهما. لماذا جاز علاج العقم؟ واتصالاً لحجج البحث، يتناول الدليل الرابع: قياس السعي في تحديد جنس الجنين على معالجة العقم الذي يمكن معالجته. فإنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز السعي في معالجة العقم مع كونها سعيًا في إيجاد الحمل وأخذًا لأسباب حصوله. وليس فيه معارضة لقول الله تعالى: «وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ»، فجواز أخذ أسباب تحديد جنس الجنين من باب أولى. بينما تناول الدليل الخامس: قياس السعي في تحديد جنس الجنين على جواز العزل. ووجهه أن العزل سبب يبذله الإنسان لمنع الحمل وضبط حصوله يشابهه في المعنى ضبط جنس الجنين. ويُجاب عن هذا بأن القياس إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة وتشابه بيَّن بينهما، وليس هذا ظاهرًا بينهما، كما أن العزل اختلف أهل العلم في حكمه بين مانع ومبيح، فهو قياس على مختلَف فيه، ومن شروط صحة القياس الاتفاق على حكم الأصل. لا ينافي اختصاص الله بالعلم ويشير المصلح إلى أنّ أدلة القول الثاني التي تتضمّن الدليل الأول أن العمل على تحديد جنس الجنين يتضمن منازعة الله تعالى في خلقه ومشيئته وما اخْتَص به من علم ما في الأرحام، قال الله تعالى»هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». والثاني: أن العمل على تحديد جنس الجنين لا ينافي اختصاص الله تعالى بعلم ما في الأرحام. ويتبين هذا بما يلي: 1. أن العمل على تحديد جنس الجنين لا يعدو كونه أخذًا بسبب من الأسباب لإدراك غاية قد تحصل وقد لا تحصل كسائر أسباب المطالب والمرغوبات. 2. أنه في حال حصول النتيجة المطلوبة بتحديد جنس الجنين ليس في ذلك ما ينافي ما ذكره الله تعالى من اختصاص علمه بما في الأرحام، فإن الذي اختص به الله تعالى، هو العلم السابق للوجود. لا تغيير لخلق الله وتناول الشيخ المصلح بالتفصيل ماجاء في الدليل الثاني: أن العمل على تحديد جنس الجنين ضرب من ضروب تغيير خلق الله تعالى الذي هو من عمل الشيطان كما دل عليه قوله تعالى:» وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ». فإذا كان التغيير في صورة الخلقة على النحو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا فكيف بالتغيير في الجنس؟ ويُجيب المصلح على هذا بعدم التسليم، وذلك أن تحديد جنس الجنين لا يدخل في تغيير خلق الله تعالى؛ وبيان ذلك أن جميع إجراءات عملية تحديد جنس الجنين في جميع صورها تكون قبل تكوُّن الجنين وتخلقه، فلا تغيير فيها. إخلال بتوازن المجتمع وعن الإخلال بتوازن المجتمع، يصنفه الشيخ المصلح في الدليل الثالث: أن القول بجواز العمل على تحديد جنس الجنين يفضي إلى عدة مفاسد ومخاطر منها: الإخلال بالتوازن الطبيعي البشري في نسب الجنسين الذي أجراه الله تعالى في الكون. فتح المجال أمام العبث العلمي في خلق الإنسان وتكوينه. ما يمكن أن يقع من جراء بعض الطرق في عملية تحديد جنس الجنين من اختلاط الأنساب. هتك العورات بكشفها وعدم حفظها ويجيب المصلح على هذا إجمالاً بأن وجود المفاسد في عمل معين، وأمر ما لا يلزم منه منعه شرعًا إلا في حال كون المفاسد غالبة والمصالح منغمرة كما دلت على ذلك قواعد الشريعة ونصوصها. لذا وجبت الموازنة بين المفاسد والمصالح في قضية تحديد جنس الجنين. الأصل الجواز ويقول الشيخ خالد المصلح «إن أَخْذَ العبد بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسيلة لإدراك مسبباتها سواء أكان ذلك في تحديد جنس الجنين أم في غيره لا يتضمن منازعة لله تعالى في خلقه ومشيئته وتصويره، وذلك أن كل ما يكون من العبد لا يخرج عن تقدير الله ومشيئته وخلقه كما قال تعالى «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ «، فالعمل على تحديد جنس الجنين لا ينافي اختصاص الله تعالى بعلم ما في الأرحام. ولا يعدو كونه أخذاً بسبب من الأسباب لإدراك غاية قد تحصل وقد لا تحصل. الجدول الصيني عبدالله بن بيه وعن الوسائل المستعملة قال الشيخ المصلح إن الوسائل التي تستعمل وتتخذ لتحديد جنس الجنين ترجع إلى قسمين، وسائل عامة غير طبية، ووسائل طبية. مبيناً أن الطرق العامة التي لا تستدعي تدخلاً طبيّاً كالنظام الغذائي والغسول الكيميائي وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة لا تعدو كونها أسباباً مباحةً لا محظور فيها لإدراك مقصد جائز مباح، أما التوقيت استناداً لدورة القمر وكذلك استعمال الجدول الصيني والطرق الحسابية، فلا تجوز؛ إذ هي في الحقيقة ضرب من التخمين المرتبط بالتنجيم وادعاء علم الغيب. وبالنسبة للطرق الطبيِّة التي يُسعى من خلالها إلى تحديد جنس المولود على اختلافها لا حرج من اللجوء إليها عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة الأخذ بالضوابط. القرضاوي وبن بيه وإفتاء الأردن والكويت يجوِّزونه .. ولجنة الإفتاء: مِنْ عِلْم الغيب د. يوسف القرضاوي من أبرز الفقهاء القائلين بجوازه الشيخ عبدالله البسام والشيخ مصطفى الزرقا والدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبدالله بن بيِّة، والشيخ نصر فريد، والدكتور علي جمعة ومجلس الإفتاء في الأردن ولجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية. ومن أبرز من قال بعدم جوازه: الدكتور محمد النتشة والدكتور عبدالناصر أبو البصل والشيخ فيصل مولوي. وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية «شأن الأجنة من حيث إيجادهم في الأرحام وذكورتهم وأنوثتهم هو من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى». الدولة: تراخيص لثمانية مراكز وتأجيل افتتاح تسعة د.علي الزواوي أوضح الوكيل المساعد لشؤون القطاع الصحي الخاص الدكتور علي الزواوي أنه تم الترخيص لسبع وحدات للإخصاب والأجنة وعلاج العقم من المستوى الثالث، وواحدة من المستوى الثاني، مؤكداً أنه تم تأجيل افتتاح تسع وحدات لاستكمال النواقص المطلوبة وذلك بناء على توصية من لجنة الإشراف على قضايا الإخصاب والأجنة وعلاج العقم وفقاً لما ورد بالمادة الخامسة عشرة من نظام وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/76وتاريخ 21- 11- 1424ه. وقال إن لجنة الإشراف على أمور الإخصاب والأجنة وعلاج العقم وضعت شروطاً ومعايير خاصة بالترخيص لوحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم بمستوياتها الثلاثة من حيث التأثيث والتجهيز والكوادر الفنية الواجب توافرها في هذه الوحدات حسب المستوى المطلوب الترخيص له. وحول ما إذا كان هنالك ضوابط وضعتها الوزارة لتحديد جنس المواليد في مراكز العقم قال «إن ممارسة طب الإنجاب تتطلب في كثير من حالاتها الالتزام بمعايير أخلاقية وفقهية».