منذ دخول الإنترنت إلى السعودية حوالي عام 1998م ازدهرت غرف الشات بالشباب والشابات وصارت ملجأً أساساً لكثير منهم، حيث وجدوا في هذه المواقع حقلاً جديداً من اللذة لم يخطر لهم ببال. نشأت في الوقت ذاته المنتديات، التي انصب اهتمامها بشكل أكبر على فتح النقاشات حول المواضيع المثيرة للجدل، وتنوعت هذه المنتديات في تخصصاتها، فمنها ما كان دينياً ومنها ما كان رياضياً ومنها ما كان تقنياً ومنها ما كان أدبياً ومنها العام الذي يحتوي الأقسام كافة بلا تخصص معين، كانت المنتديات تمثّل أهمية أكبر للذين يرتادون الإنترنت بغرض التسلية والفائدة بعيداً عن عبث مواقع الشات، وهذا ما جعل المنتديات تسيطر بشكل كبير على أوقات كثيرين ومازال أثرها ممتداً حتى في زمن الشبكات الاجتماعية. كانت المشاركة في غرف الشات والمنتديات بالاسم المستعار، ما أعطى المستخدم حرية أكبر عند النقاش وكشف عن أخلاقه الحقيقية، وبما أن المنتديات تعدّ أرقى من مواقع الشات فإن التجاوزات السلوكية كانت أقل فيها -حتى في المنتديات غير الجادة- حيث إن عامل الزمن وممارسة الحوار قد أعطيا مستخدم المنتدى لباقة أكثر ورفعت من مستوى تحضره في كثير من الأحيان، ومع ذلك كانت التجاوزات موجودة، ولذلك لجأت إدارات المنتديات إلى الرقابة على أخلاقيات المستخدمين وردودهم، حيث إن الاسم المستعار غالباً لا يردع صاحبه عن سوء الخلق ولا بذيء القول لأنه لا يخشى على سمعته، وإنما يوكله إلى أخلاقه واحترامه الذاتي، وهذا ليس متوفراً عند كل الناس. تويتر والفيس بوك يعدّان امتداداً لمرحلة المنتديات، لكنهما يشكلان مستوىً جديداً من التواصل الاجتماعي، ولذلك بدأنا نرى ظهور الأشخاص بأسمائهم الصريحة دون أسماء مستعارة، وبالتالي ارتفع مستوى التواصل والحوار، وتعززت الثقة وحصل التعارف، وصار الشخص الذي لا يظهر باسمه الصريح، شخصاً مشكوكاً في أمره وربما حصلت ضده ردود أفعال مبالغ فيها، تويتر خصوصاً يعدّ نقلة نوعية في كيفية التواصل، وهي نقلةٌ بعيدة في شكلها وكيفيتها عن المنتديات بعداً كبيراً، والذين دخلوا إلى تويتر -سواء مروا بمرحلة الفيسبوك أو لم يمروا بها- كانوا يرون أنفسهم -إلى ما قبل عامٍ تقريباً- نخبة المجتمع الافتراضي. إن الحرية التي يتيحها تويتر والتواصل الشبكي الهائل الذي يقدمه، قد يجعل الإنسان حذراً في التعامل معه، فالمنتديات كانت تجمع عدداً محدوداً من الأعضاء بحيث لا يطلع على كلامك غالباً غيرهم، أما في تويتر فالوضع مختلف، حيث إن أي كلمة تقولها ستكون متاحةً للاطلاع عليها في موقعٍ يجمع مئات الآلاف من أبناء بلدك قد يكون من ضمنهم والدك ومديرك وزوجتك وأعداؤك المتربصون، هناك (الجنس الآخر) تكلمهم ويكلمونك بشكل متحرر خلافاً للسائد في المجتمع، ولذلك يُفضل كثير من المستخدمين إخفاء هوياتهم الحقيقية كيلا يواجهوا مشكلات في الحياة الواقعية، فمنهم من تحصل له بسبب احتكاكه بالجنس الآخر -ولو بشكل بريء- مشكلات عائلية واجتماعية، ومنهم من يُحاسب على رأيه في مسألة ناقشها أو تصريح قاله فيتأثر بذلك مركزه الاجتماعي وربما الوظيفي أيضاً، وقد كنتُ في بداية تسجيلي بتويتر -قبل أكثر من سنة ونصف السنة- أُقلل من قيمة هذه المخاوف، وأنتقد ذوي الأسماء المستعارة على إخفاء هوياتهم، حتى حصلت لي مواقف عانيت خلالها شخصياً من هذه المسألة الأخيرة. =المستخدمون القدامى لتويتر قد يرون دخول كميات كبيرة من المستخدمين الجدد ذوي (الثقافية المنتدياتية) أمراً مزعجاً يُشوّه جمال تويتر ويُفقده النخبوية التي كانت تميزه، هذا التفكير في حد ذاته هو تفكير منتديات، فالذي يحاول صبغ تويتر بصبغة «الفائدة» و»الثقافة» و»الحوار» هو إنسان مازال بعقلية الساحات العربية والمنتديات الثقافية، فتويتر في حقيقته إنما هو منتدى عام مفتوح ليس لموضوعاته قواعد محددة ولم يُصنع ليكون «نخبوياً مميزاً». لماذا كنت أسترجع ذكريات الشات والمنتديات؟ للتذكير بأن الموجودين بتويتر حالياً -ممن يرى نفسه النخبة- ما هم إلا مجموعة من أهل الشات والمنتديات سبقوا غيرهم للتسجيل فيه فصبغوه بصبغتهم الراقية المؤقتة، وستأتي بقية الشعب لتملأ تويتر بكل ما كان في غرف المحادثات والمنتديات من فوضى، فلنعلم أنه وضع طبيعي ولنأمل -دون كثير من التذمر- أن ينقلهم تويتر مع الوقت إلى مستويات حوارية أفضل وانفتاح أكثر، فالدور التوعوي والتأثير المجتمعي الحقيقي لتويتر لن يتحقق إلا بدخول أكبر عدد ممكن من الشارع فيه. وأما الأسماء المستعارة فستبقى للأبد لبقاء أسبابها، لاحظوا أنها لم تختفِ حتى في العالم الغربي من تويتر رغم تحرره، وهذا يثبت أن تويتر ليس إلا منتدى آخر كبيراً، فماذا تنتظرون من منتدى؟