جمعة مباركة وصوما مقبولا.. ما أحوجنا في مثل هذا الأيام إلى تذكر القصص التي تشجع النبل والعطاء. وتستحث دماء الحياة والحياء داخل أرواح البشر وأشباه البشر. قصة أبي الدحداح واحدة من تلك القصص التي تجعلك تندهش مرتين. مرة لكل ذلك القدر من الجمال الذي لن تخدش نضارته إلى الأبد. ومرة أخرى حين تحاول فهم تفكير أولئك الذين يخطفون اللقمة وغير اللقمة ويشتعلون طمعا ولا يدركون أنهم ترمدوا قسوة ولا عين لليلهم ولا أمل يذروه النهار. كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يجلس وسط أصحابه عندما دخل عليه شاب يتيم يشكو إليه: «يا رسول الله كنت أقوم بعمل سور حول بستاني فقطع طريق البناء نخلة لجاري فطلبت منه أن يتركها لي فرفض، وطلبت منه أن يبيعها لي فرفض، فماذا أفعل؟». طلب الرسول أن يأتوه بالجار، فأتى وعرض عليه أن يتركها أو يبيعها فرفض الرجل. فقال له الرسول: «بعها ولك نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام». ذهل الصحابة من العرض، ورفض الرجل الطامع في متاع الدنيا، وهنا تحديدا دخل على الخط أبو الدحداح الصحابي الجليل الذي ضرب صدره وسأل المصطفى: «إن اشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب، ألي نخلة في الجنة يارسول الله؟» فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: نعم. فقال أبو الدحداح للرجل الطماع «أتعرف بستاني يا هذا؟». قال الرجل ومن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح بقصره المنيف وبئره العذبة وتمره وشجره؟! فقال له أبو الدحداح هو لك مقابل نخلتك! تمت البيعة، والتفت أبو الدحداح إلى الرسول يسأل «ألي نخلة في الجنة يارسول الله؟»، فقال الرسول «لا» واستكمل «الله عرض نخلة مقابل نخلة، وأنت أعطيت كل بستانك مقابل نخلة.. فرد الله على كرمك بأن جعل لك بساتين من نخيل في الجنة». وعندما عاد أبو الدحداح إلى زوجته يخبرها قالت له مهللة «ربح البيع.. أبا الدحداح.. ربح البيع».