هل استرخيتَ يوماً وسَرحتَ بفكرك لتجعلَ من نفسِك ساحراً من سحرة فرعون بعد إيمانهم ؟! وقد شُدَّ جَسَدك على جذعِ نخلةٍ ، ترى الموتَ يأكلُ رُفُقاءَ دربك واحداً تلو الآخر : تتساقطُ أيديهم وأرجلُهم ، وترى أرواحَهم تتناوبُ في الصعودِ إلى بارئِها ، هل أبصرت عيناك أعينَهم ؟ وهي تغادرُ الدّنيا ساخرةً منها وفي أحداقِها لغةٌ من الصمت تقول : ( لن نؤثركَ على ما جاءَنا من البيناتِ والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياةَ الدّنيا ، إنّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحرِ واللهُ خيرٌ وأبقى ). وأنت لم تكن رفيقاً ولا شاهداً لذلك الرجلَ الرومي رضي الله عنه عندما خرجَ مهاجراً للمدينةِ فلحقت به فرسانُ قريش شاهرةً لرماحِها وسيوفِها ، فلمّا رَأَوْا استماتَتَه في الحق ، ساوموه ظلماً وجَوراً على أخذِ مالِهِ مُقابلَ إخلاءِ سبيله . فتخلّى عن مالِهِ لهم واشترى به طريقاً إلى الله جَلّ وعلا . يالها من قصةٍ عجيبةٍ لرجلٍ غريب عاش في ديار العرب ختمَ النّبيُّ على فصلِها الأخير ب ( ربح البيعُ أبا يحيى .. ربح البيع ) وأنت أيضاً لم ترَ تقاسيمَ البشرِ والسعادةِ تملأُ وجه أم الدّحداح عندما أخرجها زوجُها أبو الدّحداح رضي الله عنهم جميعاً من بيتِها وأخبرها بأنّه باع البستان ذا الستمائةِ نخلة ، والقصر ، والبئر بنخلةٍ في الجنّة يسير الراكب في ظلها مائة عام . فهللت وكبرت هي وصبيانُها كأنّهم يرون الجنّةَ حاضرةً أمامَهم. ولم تكن بجانبِ بئر معونة إذ الصحابي الجليل حرامُ بن ملحان رضي الله عنه يعلّمُ الناسَ كتابَ ربِهم ، فيأتيه رمحٌ غادرٌ يخترقُ صدرَه فيرتفعُ نظَرهُ إلى السماءِ وهو ينضحُ وجهَهُ بالدمّ ويقول : الله أكبر .. فزتُ وربّ الكعبةِ . ومازالت تتوارد قوافل السائرين إلى الله يحدوها الشوق لجنات الخلود ، لم يثنها عن سيرها ترغيب ولا ترهيب ، ولم تسرج جيادُهم طلباً لدنيا دنية . واليوم ونحنُ في القرنِ الواحد والعشرين ، وقد هبّت على ديار المسلمين عواصفٌ غربيةٌ وشرقيةٌ تُميلُ الرؤوسَ حيثُمَا مالت ، ما أجمل وما أروع أن يرفع المسلمون رؤوسهم ليروا الفصل الأخر من حياتِهُمُ الأُخروية ، فتتصل البدايات بالنهايات ، ويتكامل المشهد ، وتتضح الصورة . فيتصاغرُ حطامُ الدّنيا الفانية أمام المكاسب الأُخروية الأبدية ، فيعلموا علم اليقين أنّ فضلَ اللهِ ورحمتَه خيرٌ مما يجمعون . سعود سعد الجابري- جدة