في ظل التوتر والشحن المذهبي والطائفي الذي تشهده منطقة الخليج العربي في هذه الفترة، وبمبادرة من منتدى العلاقات العربية والدولية في قطر انطلق في الدوحة في الثلاثين من نوفمبر الماضي وعلى مدى يومين مؤتمر يتناول هذا الموضوع المهم تحت عنوان «دور التنوع المذهبي في مستقبل منطقة الخليج العربي». لعل من أهم ما ميز المؤتمر التنوع الحقيقي الذي شهده لممثلي مختلف المذاهب الإسلامية في المنطقة من سنة وشيعة وإباضية وكذلك تعدد تخصصات المشاركين من أكاديميين ودعاة وإعلاميين ومثقفين وسياسيين، مما أضفى على المؤتمر ثراء فكريا متميزاً، إضافة إلى أجواء الصراحة التي اتسمت بها المناقشات والحوارات في المؤتمر.في تحليل أسباب التوترات المذهبية ذهب أغلبية المشاركين إلى الاعتقاد بأن العوامل السياسية لعبت ولاتزال دور المحرك الأساسي في موضوع التوتر الطائفي مستشهدين بأن أهالي المنطقة عاشوا لقرون طويلة في ظل حالة من التعايش والانسجام والسلم الأهلي ساد بينهم التزاوج والعمل المشترك دون أي حواجز. إلا أن الاستخدام السياسي للتنوع المذهبي حول كل ذلك إلى مناطق توتر وتشنج بين الناس، نتج عنها اصطفافات واستقطابات حادة، ملاحظين أن هذا التوترعادة ما يتناسب طرديا مع تنامي مطالب الإصلاح السياسي في المنطقة.العامل الخارجي في موضوع التوتر المذهبي كان حاضراً بقوة أيضا في مجمل النقاشات التي دارت في المؤتمر انطلاقا من أن ذلك يخدم مختلف القوى ذات المصلحة من إبقاء الحالة السياسية كما هي أو من عدم استقرارها أيضا. ولكن البعض أرجع هذه التوترات إلى أسباب تاريخية في تراث كل مذهب والثقافة الجمعية لأتباعه ولأسباب تربوية أيضا ذات علاقة بمناهج التعليم وتأثير وسائل الإعلام والتوجيه الديني المتشدد.عرضت في المؤتمر أيضا تجارب ونماذج لمبادرات سياسية وثقافية واجتماعية ساهمت في معالجة وتهدئة حالة التوتر المذهبي في المنطقة وتحديداً في كل من البحرين وعمان والسعودية منها عقد لقاءات مشتركة بين الرموز الدينية وإقامة مؤتمرات حوارية وتوعية وتثقيف الجمهور. ولقناعة الجميع بجسامة وفداحة الأضرار والخسائر السياسية والاجتماعية المترتبة على هذه التوترات المذهبية في منطقة الخليج، كان هنالك شعور مشترك لتلمس الحلول المناسبة والتي يمكن أن تسهم في بناء الاستقرار والأمن الاجتماعي والثقافي في المنطقة، لذا جاءت مقترحات المشاركين ورؤاهم مؤكدة على أهمية الوعي بالتطورات التي تمر بها المنطقة وعدم الاستدراج لمعارك وهمية يكون الجميع فيها خاسراً وتؤدي إلى خلق ثغرات واسعة وخطيرة في النسيج الاجتماعي، والتأكيد على بث ثقافة الاقرار بالتعددية المذهبية في منطقة الخليج والقبول بها من خلال وسائل الإعلام ومناهج التعليم، والعمل على إقرار تشريعات قانونية واضحة في دول الخليج تحد من ممارسات التعبئة والتحريض وبث الكراهية في المجتمعات، والانفتاح على تجارب المجتمعات الأخرى ذات الطبيعة التعددية والتي تمكنت من تجاوز حالات الاحتراب الداخلي بين مكوناتها.لاشك أن هنالك مسافة كبيرة تفصلنا عن الوصول إلى كل هذه الأهداف، ولكن البداية بلقاء إيجابي ومثمر مثل هذا المؤتمر كان ضروريا وخطوة أولى في الطريق الصحيح.