من المفهوم أن يقوم النظام السوري أو ما بقي منه بمراجعة حساباته لناحية توضيب ما خفّ حمله وغلا ثمنه والهروب خارج البلاد على ضوء معلومات غير مؤكدة حتى الآن تشير إلى أنّ الأسد انتقل فعلا داخل سوريا استعدادا لمغادرتها، إلا أنّه من غير المفهوم بتاتا الموقف الاستكباري لحلفاء الأسد الذين ما زالوا يصرّون بشكل متغطرس على دعم النظام رغم علمهم اليقيني بانهياره. روسيا وهي الداعم السياسي والعسكري الأبرز لنظام الأسد التي تتحمل جزءا أسياسيا من المسؤولية عن المجازر التي تحصل بحق المدنيين السوريين، تعد من أبرز الخاسرين في الضربة النوعية التي نفّذها الجيش الحر. فالانهيار السريع للنظام يدحض نظرية موسكو من أنّ الأسد باقٍ وأنّ ما يحصل هو عمل مشروع للنظام ضد الجماعات الإرهابية والراديكالية المسلّحة. فالضربة جاءت لتؤكد أنّ الحسابات على الأرض لا تمسك بها موسكو وحدها وأنّ للجيش الحر كلمة أخرى. واستمرار تمسّك موسكو في هذا الوضع بما بقي من النظام السوري يعني أنّها تخاطر ليس بعزل نفسها فقط، وإنما بالخروج من اللعبة بخفي حنين، فتسارع عمليات الجيش الحر إضافة إلى تعنتها سيفقدها حتى إمكانية الخروج بماء الوجه. أما ثاني أكبر متضرر من العملية فهو إيران وحزب الله، ذراعها في المنطقة العربية. والحقيقة أنّ الحزب رفض أن يستغل الفرصة تلو الأخرى لتصحيح موقفه ولو شكليا من الثورة السورية مفضّلا منطق المستكبرين في التمادي البالغ في الغيّ. وقد قطع موقف الأمين العام لحزب الله قبل أيام الشك باليقين حول الشائعات التي كان البعض يسربها لحفظ ماء وجه الحزب، بالقول إنّه مضطر وإن هناك خلافات في الرأي من الثورة السورية داخل الحزب. فالترحم على ما سمّاهم “شهداء” من أركان النظام السوري والطعن بالشهداء الحقيقيين من الأطفال والنساء والتجرؤ عليهم وعلى حرمتهم أظهر لأولئك الذي ظلوا حتى اليوم مخدوعين به، وبشكل لا يقبل التشكيك بأنّ الحزب طائفي حتى النخاع، وأنّ قراره ليس في بيروت وإنما في قم، وأنّه مجرد أداة لا أكثر، وأنّ فلسطين والمقاومة والممانعة ما هيّ إلا “عدّة الشغل” كما يقال. أمّا الفتنة التي دائما ما يحذّر منها، فهي الغطاء الذي يحمي نفسه منه في الوقت الذي ينفخ فيه بكل ما أوتي من قوة. فمع انهيار النظام السوري نلاحظ تصاعدا في خط استنهاض الخوف الشيعي من الآخر بالتوازي مع التطمينات النابعة من ترسانة الصواريخ التي يحتفظ بها الحزب الذي لم يتعلم من دروس التاريخ بأن الترسانة لا تنفع ولا تحمي عندما يحين موعد السقوط، وخير دليل ما يتعرض له نظام “رفيق السلاح” كما سمّاه نصرالله، فسوريا لم تعد (سوريا الأسد) يا سيد نصرالله، ولبنان لن يعود ملكا لأحد أيضا بعد سقوط النظام السوري.