الجدل الكبير والساخن الذي يدور حول مسلسل عمر وتجسيد أدوار الصحابة ظاهرة صحية مهما ارتفعت درجة حرارته، وقد سبقه جدل آخر قبل عقود في فيلم الرسالة وتجسيد شخصية حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وهذا الجدل والنقاش الحامي الوطيس ملأ الدنيا وشغل الناس وأصبح حديث الناس في شعبان وفي المجالس في رمضان، ودفع كثيراً من الناس إلى مشاهدته أو إلى مقاطعته، والحصول على معلومات تتعلق بالعمل الفني أو بالقنوات أو بالمشايخ والشخصيات التي وافقت أو عارضت، وحجج كل فريق في التحريم أو الإجازة، وفي بعض الأحيان المواقف المؤيدة باستحياء والمترددة والباحثة عن الجماهيرية، وكل هذه طبيعية ومشروعة لأنها في جميع الأحوال قضية خلافية لا يملك أحد أن يدعي أن كلامه هو القول القطعي، وإنما هو اجتهاده الذي يؤخذ منه ويرد، ومع أني لا أميل بصفة شخصية إلى تجسيد أدوار الصحابة لأن صورتهم في وجداني تكونت عبر عقود وقراءات وإعجاب وتمثل، وأي تمثيل لشخصيتهم مهما كان النص قوياً والأداء رائعاً والممثل مميزاً لا يرقى أبداً إلى الصورة التي تكونت في داخلي، غير أن هذا الرأي الشخصي لا يتعارض مع قناعتي بجواز تجسيد أدوار الصحابة رضوان الله عليهم وعدم تحريمه، مقدراً في الوقت نفسه من أخذ برأي التحريم، وهو حق له وفق الأدلة التي بسطها العلماء الذين مالوا إلى التحريم، غير أن المشكلة تبدأ عندما يأخذ أحد طرفي الخلاف على يد الآخر ويلزمه بالقوة أن يرى رأيه، كأن يقوم بعض خطباء المساجد بالهجوم على من يرى الجواز ويكفره ويتوعده بعذاب الله، ويستغل المنبر لفرض رأيه وإلغاء الآخر، أو أن تقوم مجموعة بنقل هذا الخلاف من إطار الجدل والنقاش إلى فرضه باليد عبر تجمعات أو لافتات على مبنى ال(mbc) بالرياض، ما استدعى وجود رجال أمن لحماية الناس والممتلكات، ومع أن الموضوع مر بسلام وهدوء فإن دلالة الإنكار في قضية خلافية وتحولها من النقاش إلى فرضه وإلزام الآخرين باليد هي التي تثير القلق.