يبدو أن الصراع في مصر على السلطة والشرعية بين القوى السياسية والثورية من جهة والمجلس العسكري من جهة أخرى سينتقل من ميادين العاصمة وشوارعها إلى أحداث التاريخ ووقائعه، فبحلول الذكرى الستين لثورة 23 يوليو اندلعت معركة سياسية جديدة حول «الشرعية» بين ثورة الجيش في يوليو 1952 وثورة الشعب في يناير 2011. ويدور جدلٌ كبير في مصر حالياً حول الاحتفال بالذكرى الستين لثورة يوليو التي قام بها الضباط الأحرار وأطاحت بالنظام الملكي وأرست حكم رجال الجيش، وعبر 18 شهراً من الثورة في مصر، ساءت العلاقة بين المجلس العسكري (الذي أدار الفترة الانتقالية) وشباب الثورة وعديد من القوى السياسية بسبب بعض الأحداث التي شهدت قتلاً للمتظاهرين بالإضافة لوجود الآلاف من المعتقلين المحاكمين عسكرياً، ما جعل بعضهم يربط بين ثورة الجيش والمجلس العسكري لتنطلق عدة دعوات على الشبكات الاجتماعية على الإنترنت تطالب بعدم الاحتفال بذكرى ثورة يوليو وإسقاط مظاهر حكم العسكر. وقال المتحدث الإعلامي باسم حركة 6 إبريل محمود عفيفي، إن الحركة لن تشارك في أي فعاليات اليوم سواء احتفالية أو مناهضة لذكرى ثورة يوليو، وتابع عفيفي ل»الشرق»، «نحن كحركة معنيون بثورة 25 يناير، ونحاول أن نُسهم في إنجاحها بشتى الطرق لأنها مرتبطة بالمستقبل لا بالماضي»، وتابع «لن نلتفت للأمر أساساً ليس تحقيراً لها، والموضوع ليس له علاقة بوجود المجلس العسكري». وقبل ثلاثة أسابيع، قال الرئيس المصري محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، أثناء خطبةٍ له في ميدان التحرير، «الستينيات وما أدراك ما الستينيات» فيما فسره كثيرون بأنه إشارة منه للاعتقالات والتعذيب الذي لاقاه الإخوان على يد رمز ثورة يوليو الرئيس جمال عبدالناصر في عاميْ 1954 و1966. ويحذر مراقبون من أن الصراع على «الشرعية» بين ثورتيْ يوليو ويناير قد يتداخل فيه حلم التيار الإسلامي في السيطرة على تاريخ مصر بمحاولةٍ لمحو ثورة يوليو من التاريخ، وهو ما يضع الرئيس مرسي في اختبار ضخم لإثبات أنه رئيس كل المصريين وليس رئيساً إخوانياً يعدّ ثورة يوليو هزيمة لجماعته. بدوره، يعتقد أمين عام حزب الكرامة الناصري أمين إسكندر، أن دعوات عدم الاحتفال بثورة يوليو تعدّ محاولة من بعض الإسلاميين والليبراليين لتغيير مجرى التاريخ. وقال إسكندر، في اتصال هاتفي مع «الشرق» أمس، «تيار الإسلام السياسي يريد أن يكرس لوجوده التاريخي ويتجاوز تاريخ يوليو»، وتابع «هناك ثأر بين الإخوان وثورة 23 يوليو لأن مشروعهم كان مناوئاً لأحلام الأمة المصرية»، مضيفاً «التيار الإسلامي له مشروع ضد المشروع القومي العربي الذي تبنّته ثورة يوليو». لكن المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمود غزلان، قال ل»الشرق»، «نحن معنيون أساساً بإنجاح ثورة 25 يناير ولسنا مشغولين بقضايا التاريخ»، وأضاف «الموضوع برمته لا محل له من الإعراب وسط كل تلك الأزمات التي تعصف بمصر، لا تعليق لدينا على ربط بعضهم بيننا وبين الاحتفال بثورة يوليو، من يريد أن يحتفل فليحتفل ومن لا يريد فلا يفعل»، وشدد غزلان أن الأمر لم يُطرَح للنقاش في أي اجتماع لقيادات الإخوان. وتتباين وجهات النظر حول ثورة يوليو، فبينما يقول بعضهم إنها ثورة «الجيش» وأن ثورة «الشعب» في يناير 2011 ألغت شرعيتها، يرى آخرون أن ثورة يوليو لم تكن ثورة جيش بل كانت ثورة شعب عبر عنه طليعة من الجيش، وبالتالي فإن «شرعية يوليو» لاتزال قائمة، وهو ما علق عليه محمود غزلان قائلاً «الشرعية دوماً للشعب والشعب قال كلمته في 25 يناير».