مبارك عليكم الشهر.. هكذا نقولها في السعودية والخليج. رمضان كريم.. يقولها المسلمون في كل أنحاء المعمورة.. وبين الكرم والبركة نسبر أعماق الصوم.. ذاك الطقس التعبدي الضارب في القدم حيث عرفته البشرية قبل الديانات الكتابية بكثير.. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»، فقدماء اليونانيين والبوذيين والهندوس واليانيين وشعوب أمريكا البائدة وما تبقى من قبائل السكان الأوائل بأستراليا، كل هؤلاء مارسوا طقس الصيام وإن كانوا أضافوا له جانب التأمل للسعي بذواتهم لروحانية أكبر. وفي الديانات السماوية نجد قواسم كثيرة لهذه الشعيرة وهي باب جبار للدعوة والإقناع حيث نقاسم المسيحيين الهدف الأسمى للصيام من تذلل وتقويم للذات وتعويدها على الفتات تلمساً للمثوبة واستشعاراً لحال من هو أدنى منا، والعجيب أن نتشارك مع اليهود صيام النوافل من خميس واثنين ويوم عاشوراء وإن كانوا يزيدون عنا في صيام الشهر المتواصل حيث يزيد في بعض الحالات لديهم عن 50 يوماً. وإجماع البشرية على حاجتها للصيام كطقس تطهيري متلبس بتذلل سواءً بتكليف سماوي أو حاجه ذاتية ساقتها سنن الحياة للمتعبدين على اختلاف الملل هو مفتاح لمعرفة الجبار في علاه على وجهه الحق.. لا بتمثيل سمج يعنون برسائل تطلب السماح من الخلق ومتعلق بقشور الدعاء المنمق ومتفنن في صف كلمته على سجع جميل.. من أعمق ما قرأت في هذا الطقس.. في إحدى رسائل الرهبان المسيحيين (إذا صمت فادهن رأسك بالزيت واغسل وجهك لئلا تظهر للناس صائما، بل لأبيك الذي في الخفية، وملكوت الله ليس أكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح) وفرح الروح هنا باستشعار العظمة له تعالى..