جميل فارسي أشكر أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى على إقرار نظام الرهن العقاري والأنظمة المكملة له. وهي أنظمة مهمة وأساسية وطال انتظارها. هي باختصار أنظمة تساعد على تمويل تملك العقار بضمان العقار. لكن مع الأسف فإن هذه الأنظمة لن تؤدي لتسهيل تملك البسطاء للعقار لأن هناك عاملاً مهماً اسمه السعر. فمن أبسط مبادئ الاقتصاد أنه عندما تكون السلعة محدودة الكمية ويزداد التمويل المقابل لها فإن ذلك سيرفع سعرها. وهذه قاعدة يعرفها كل من حضر الدرس الأول في الأسبوع الأول من (الترم) الأول للسنة الأولى في كلية الاقتصاد. ومشكلتنا أن عامة الناس ليس لديهم ما يكفي أصلاً لشراء العقار فما بالكم إن ازداد سعره؟! فالمعضلة في المملكة ليس «تمويل» العقار بل «إيجاد» العقار. نعلم أن المساكن غالية بسبب غلاء أراضي المساكن، وغلاء الأراضي سببه ندرتها، وندرتها سببها الحيازات. وأغلب هذه الحيازات متملكة بلا مقابل ولا تكلف صاحبها لا ضرائب ولا زكاة ولا رسوماً ولا صيانة. خلال الثلاثين عاماً الماضية حوصرت المدن بملكيات شاسعة، إما عن طريق المنح أو الإحياء أو الشراء، فضاقت على الناس الأراضي. فأصبحت الأراضي القابلة للاستخدام بيد قلة لا يعرضونها ولا يطوّرونها، بل يدّخرونها ليستمتع بها الورثة، بينما المعروض لا يفي بالحاجة من الأراضي. فنحن المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه أن يتملك العقار بالرغبة. فقد تفتق ذهننا عن نظرية الشبوك. والكلمة ليست مشتقة من الشبك كما يعتقد البعض، بل من الشبكة هي ما يقدمه العريس للعروسة إلى أن يتم استخراج الصك (أقصد صك النكاح طبعاً). لكن مع فوارق بسيطة، فالتشبيك بعكس الشبكة لا يلزمه موافقة الطرف الآخر، ولا يجب فيه (أخذاً برأي للأحناف) وجود الولي، لأن أرضنا كانت حقاً مشاعاً بالإحياء وفق الأنظمة. أيها السادة أعضاء مجلس الشورى، إن قانون الرهن العقاري ليس له أي علاقة بالمشكلة ولا بحلها. إن المشكلة هي احتكار الأراضي وتملكها. فإن أردتم الحق ولا شيء إلا الحق فإن الحق كل الحق هو استرجاع ما أُخذ بشكل مبالغ فيه. والآن نشكركم على قانون رهن العقار ونسألكم التكرم والتعطف علينا بقانون استرجاع العقار. إن استرجاع العقار ليس مستحيلاً إن أردنا، وبإمكانكم إيجاد الطرق النظامية لذلك. فنحن وأولادنا أولى.