يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة من المعاقين في المملكة تهميشاً لقضاياهم وتشتيتها بين مختلف الوزارات، بينما لا توجد حتى الآن جهة معنية بهم وبضبط وتقنين السياسات تجاههم، ووضع التشريعات الخاصة بهم. وفتحت «الشرق» موضوع تشتت قضايا المعاقين وضياع حقوقهم مع عديد من المهتمين والمتخصصين، الذين أكدوا أن المعاقين جزء مهم في المجتمع ويمتلكون طاقات عالية في العمل متى ما توفرت لهم البيئة المناسبة والمشجعة. عمل المعاقين يرى كابتن المنتخب السعودي لكرة السلة على الكرسي المتحرك، معلم التربية الخاصة عبدالرحمن الشعلان، أن ساعات العمل الطويلة تسبب عديداً من المشكلات الصحية للمعاقين، خصوصاً المعاقين حركياً، مبيناً أنهم يصابون بعديد من المشكلات الصحية، منها التقرحات التي لا تزول إلا بعملية الليزر المكلفة. إضافة إلى مشكلات العمود الفقري والقدم. وفيما يخص عمل المعاقين، أوضح الشعلان أن بعض الشركات تستغل المعاقين عن طريق نظام السعودة، حيث إن نحو 80% من المعاقين مسجلون على أنهم يعملون، ولكن الحقيقة أن 70% منهم يتقاضون راتباً لا يتجاوز 1500 ريال وهم في منازلهم، مبيناً أن 2% فقط من الشركات أسهمت في توظيف المعاقين وتهيئة بيئة العمل لهم. وقال الشعلان «لاتزال بيئة العمل غير مهيأة للمعاقين لغياب البنية التحتية، فحتى الآن لا يوجد لدينا مهندس منشأة خاصة بالمعاقين يوقّع على صلاحية المنشأة ومدى ملاءمتها للمعاقين»، وأضاف «من المواقف المؤلمة التي شاهدتها وتدل على غياب الثقافة الخاصة بطريقة التعامل والتعاطي مع المعاقين حين كنت في زيارة لإحدى مدارس الدمج، وجدت أن طلاب ضبط النظام جميعهم ممن يعانون من متلازمة داون، فقلت لمدير المدرسة شيءٌ طيب أن تحملهم مثل هذه المسؤولية، فقال: نعم لأن أشكالهم مخيفة ويستطيعون ضبط الطلاب»! شعارات بلا جدوى وفي ذات السياق، قالت إحدى المعاقات حركياً، نجوى آل معروف «كانت لديّ إعاقة واحدة في قدمي، ولكن بيئة العمل تسببت في إعاقة قدمي الأخرى السليمة أيضاً، حيث عملت لمدة سنة وستة أشهر في الدور الأول، وأثر علي الصعود والنزول يومياً، حيث لا يوجد مصعد كهربائي، وتعرضت للسقوط مرتين»، ورأيت أن المقارنة جائرة بين الإنسان السليم ومن لديه إعاقة في بيئة العمل، مشيرة إلى أنه لا توجد مراعاة في المهام الموكلة إلى المعاقين ولا تسهيلات تقدم إليهم، فساعات العمل الطويلة تسبب كثيراً من المشكلات الصحية لذوي الإعاقة الحركية في العمود الفقري، وقالت «نسمع كثيراً من الشعارات الخاصة بالمعاقين ولكن الواقع غير ذلك، فالمعاق في بعض الدول المجاورة يحق له التقاعد بعد عشر سنوات من العمل براتب كامل، بينما لم نصل إلى هذه المرحلة من التقدير بعد». أنظمة خاصة بالمعاقين حطاب العنزي وحول نظام العمل الخاص بالمعاقين، قال المستشار والمشرف العام على إدارة العلاقات العامة والإعلام حطاب بن صالح العنزي «لا يوجد حالياً أنظمة محددة خاصة بالعمل للأشخاص من ذوي الإعاقة، ولكن وزارة العمل تعمل حالياً على إعادة النظر في مراجعة نظام العمل بشكل عام فيما يتعلق بالجوانب التي تهدف إلى حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأيضاً أصحاب العمل في القطاعات العامة والخاصة». وأفاد العنزي أن وزارة العمل لا تقبل أن يقع على أي إنسان ظلم من أي نوع، فعدم تهيئة المكان المناسب للعمل فيما يتصل بالمعاقين يعدّ ظلماً يقع عليهم. وقال «إن الأشخاص ذوي الإعاقة مواطنون لهم طاقات خلاقة، ومن الضروري أن يحصلوا على حقوقهم كاملة، أما عن توفير المعدات التي تتناسب مع احتياجاتهم في العمل، فمن البديهي أن تهيئ المنشأة التي توظف ذوي الإعاقة من تجهيز بيئة العمل ما يتناسب مع احتياجاتهم ويساعدهم على الإنتاج». وأشار العنزي إلى أن وزارة العمل أطلقت مؤخراً برنامجاً بعنوان «توافق» لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، ومناقشة التحديات التي تواجههم. حيث تسعى من خلال هذا البرنامج إلى معالجة مشكلة البطالة في المجتمع السعودي للأشخاص من ذوي الإعاقة. ويعدّ برنامج توافق مبادرة مهمة أطلقتها الوزارة من أجل إعداد استراتيجية وطنية عملية واضحة لتشجيع توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعين العام والخاص والمحافظة على الحقوق الأصيلة للموظف وأرباب العمل على السواء، وتوفير الإمكانات المادية والتنفيذية وتطوير البنية التحتية التنظيمية لتحقيق فعالية التوظيف بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل المحلي، كما تحرص الوزارة من خلال البرنامج إلى تفعيل وتطوير الأنظمة الحالية الخاصة بتوظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة، ودراسة المشكلات البيئية والعقبات التي تواجه التوظيف. مجلس أعلى للرعاية إحسان طيب وذكر المستشار الاجتماعي الدكتور إحسان طيب، أن مجلس الوزراء أقرّ في عام 1421ه إنشاء مجلس أعلى لرعاية المعاقين برئاسة ولي العهد، ولكنه لم ينشأ حتى الآن «وأصبحت هموم المعاقين موزعة بين وزارة التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة وجهات أخرى»، وطالب طيب بأن تكون هناك جهة خاصة ترسم السياسات وتضع التشريعات والاستراتيجيات الخاصة بالمعاقين على مدى عشرين عاماً مقبلة. وبيّن المستشار طيّب أن هناك تشريعات وُضعت من قِبل وزارة الشؤون القروية والبلدية خاصة بالمعاقين، منها إنشاء أرصفة ومواقف خاصة وغيرها، ولكنها على أرض الواقع ليست كافية لغياب الجهة المعنية بمتابعتها ومتابعة بقية هموم وحاجات المعاقين، مفيداً أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي الأم التي يجب أن تطالب بأن تكون هناك جهة واحدة معنية بمتابعة جميع احتياجات المعاقين. وحول بيئة عمل المعاقين، قال طيب «إذا هُيِّئت بيئة العمل بالشكل المناسب وكانت ثقافة التعامل والتعاطي عند الرئيس واعية ومشجعة وتكليفهم بأدوار قيادية تزيل شعور النقص عندهم، مع تلبية احتياجاتهم الكاملة الخاصة في بيئة العمل من مصاعد ودورات مياه خاصة وغيرها، فمعدلات إنتاجهم تكون عالية لما لديهم من طاقات كبيرة. فلا يشعرون بالغربة في العمل الوظيفي»، معتبراً أن النظام الخاص بالسعودة في اعتبار أربعة معاقين يعدلون موظفاً سعودياً واحداً «أصبح ورقة يستخدمها بعض ضعاف النفوس من أرباب الأعمال، فبدلاً من خرطهم في سوق العمل، تسجل أسماؤهم ويصرف لهم رواتب وهم لا يعملون»، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك متابعة لوضع المعاقين في تلك المؤسسات، والتأكد من أنهم يعملون وينتجون أسوة بزملائهم الأصحاء وفقاً لضوابط تراعي الفروقات بينهم وتقدر جانب عجزهم وإعاقتهم، وأضاف «يجب أن تكون هناك حملة للتوعية حتى نصل بالمعاقين إلى كل مكان يصل إليه الإنسان السليم من مساجد ومتنزهات وغيرها من المرافق العامة». توظيف المعاقين محمد بادغيش من جهة أخرى، بيّن استشاري علم الأعصاب والعلاج الطبيعي في مركز التأهيل الشامل في جدة الدكتور محمد سالم بادغيش، أنه ضد تقليل ساعات العمل الخاصة بالمعاقين، معتبراً أن ذلك يعطيهم إحساساً بعدم القدرة على الإنتاج، موضحاً أن بيئة العمل لاتزال غير مهيأة للمعاقين سوى في قليل من القطاعات الحكومية أو الخاصة، وقال «يجب أن تراعى نوعية الإعاقة لكل شخص فيوضع في العمل الذي يتناسب مع إعاقته، كما يجب تطبيق الوصل الشامل في كل الدوائر، الذي يركز على كل الاحتياجات والوسائل التي تخدم وتساعد المعاقين، كلاًّ حسب إعاقته، كشاشة توضيحية داخل المنشأة للصم، والمصاعد للمعاقين حركياً، وغيرها من مرافق ودورات مياه خاصة». وأشار بادغيش إلى أن توظيف المعاقين يختلف بحسب نوع الإعاقة، فهناك المعاقون ذهنياً غير القابلين للتعلم، لقلة الإدراك لديهم، فيتم تأهيلهم على أعمال مهنية ملائمة كالنجارة والزراعة وغيرها، وقال إن وزارة الشؤون الاجتماعية هي من يقوم بتخريجهم، وهي التي يجب أن تتابعهم وترى مدى مناسبة بيئة العمل لهم. وأضاف «أما المعاقون جسدياً فوزارة العمل هي المعنية بمتابعتهم في بيئات عملها، وهل هم يعملون فعلاً أم أن هناك استغلالاً لأسمائهم بهدف تسجيلهم في نظام السعودة». المرافق العامة واصف كابلي من جهته، يرى رئيس مجلس إدارة مركز أمل جدة لتأهيل المعاقين الدكتور واصف كابلي، أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها المعاقون هي عدم تهيئة المرافق العامة، من أرصفة ومواقف خاصة بهم ودورات مياه مخصصة، سواء أكانت في الدوائر الحكومية أم في بيئات العمل الخاصة، وكذلك المساجد والمتنزهات وغيرها من المرافق العامة.وتساءل كابلي «ماذا أنجزت وزارات العمل والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية والصحة في هذا المجال؟ هناك 150 ألف معاق في المملكة تقريباً، ووزارة الشؤون الاجتماعية لا ترعي سوى ثلاثين ألفاً منهم»، وأضاف «ليس هناك دعم لمركز التعليم الداخلي، وتفتقر الإحصائيات الخاصة بالمعاقين في المملكة إلى الدقة وإلى معرفة وتصنيف نوعية الإعاقة لكل منهم»، وقال «قضايا المعاقين لاتزال تمثل مشكلات كبيرة ولم تجد من يهتم بها». طفل معاق أثناء مشاركته في أحد الأنشطة العامة في حائل (تصوير: مشاري الصويلي)