طالب فداع الشريم لكل منا حياته التي لا تتساوى مع غيره، وآماله التي لا تتطابق دقائقها مع أقرانه، وأعماله التي لا تستنسخ لشخص آخر، أفكار الإنسان مختلفة كنسيج الحَمْن أو الحمض المُزَدْأَن الرَّيْبِيّ النّوويّ (DNA) متفردة كمحيط الأذن.. دقيقة كبصمة البنان، قال تعالى (بلى قادرين على أن نسوّي بنانه). فسبحان من خلق الخلق فأبدعه ووضع لكل فرد بنيته المتفردة. إذ لا يوجد اثنان يتطابقان بكل السجايا حتى لو أرادا ذلك. وإن نادى داع الحب. ولوحت مآقي العيون بالإعجاب. واقتفت الخطى جادة المحاكاة. وأطنبت الألسن بالأمثلة. فالتجارب تستعيد نتائجها في علوم الطبيعة. وتستعصي في علوم الإنسان!يمضي العمر. تتعاقب السنون. تتبدل الهيئات. أنفس تأسرها الحياة. وكأنها نبات غض أورقت أطرافه فاشتد عوده. أثمر فتعددت فروعه، وتسامقت أغصانه. أو مات قبل القطاف.. ثوانٍ ودقائق. زفرات تعود قبل تمام خروجها. خيالات تتشكل مع كل إشراقة صباح. أرواح أعيتها المعارك. أفران تتوقد في خلجات نفس ما إن تحط رحالها في فيض إلا وأعقبتها حياض كر وفر.. هذه رحلتك.. زادها خليط بين عقل يعقل. وميل لهوى عابر.لم أسمع يوماً أن امرأً قد أعلن اكتفاءه من الحياة. وأتخذ قراراً بالتوقف عن رحلة الهروب التي بدأت معه من أول لحظة لامست قدماه التراب. إنها النفس وتلك طبائعها.يا ابن آدم إن ما لامس التراب من أطرافك فهو آتٍ منه وعائدٌ إليه. يا ابن آدم ستبقى رحى معركتك دائرة مازلت مسجوناً في بدنك. يا بن آدم ما أنت إلا ضيف.. فإما أن تستقبلك دار القرار في رحمات الله أو مطروداً عنها.رحلتك أنت وحدك ملؤها تناقضات نفس. وطموح روح وطول أمل وهوى فؤاد. فيها ما فيها من نزغات الشياطين. وروحانيات فيض الرحمات. فيها حضور بصر. وغياب بصيرة. كل تلك بك وفيك. تتراءى لك حولك. وتتلبسك فترى بها ما تراه صواب. تترقى بنفسك. تخرج من أسر البدن فتتسامى في فسحة فضاءات الكون. أوتنغمس وسط تجاذبات الهوى فتهوي بك في بحر الظلمات. تحتج على المقسوم للآخر. تتعامى فلا ترى الهبات التي لا يملكها سواك. يخرج أحدهم من عائلة الثراء إلى الفقر. فَيَلْعِن!. ويخرج الآخر من أتون الفقر إلى الثراء.. فُيلعَن! يخرج العالم من بيت جهل فيذم به! ويسقط من بيت العلم جاهل فيُصّير إلى الابتلاء! كل الأنفس تشكو العدل! فلا السابق أهله محمود ولا اللاحق مشكور! ولا الماحق معذور! فانج بدقائق العمر. وطهر رحلتك منهم. واحمل متاعك غذاء لروحك. وبما تسامت به نفسك. وأدركته بعقلك. لتسمح لقلبك أن يداعب خفقات مؤونته المؤقتة للوصول إلى المستقر العالي. عند العدل الكريم إليه كل مآل.