رافق المطرب السوري حمام خيري، مساء الخميس، جمهور بيت الدين في رحلة بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، من خلال القدود والموشحات التي اشتهرت بها مدينة حلب، إلى أدوار مصرية وقوالب تركية تختلط هويتها ومزاجها بين القاهرة وبلاد الشام. ولم يقتصر الحضور، الذي ملأ معظم المقاعد، على اللبنانيين والأجانب المهتمين عادة بمتابعة الفعاليات الثقافية على غرار السنوات السابقة، بل ميزه هذه السنة حضور كبير من السوريين الذين تتزايد أعدادهم في لبنان هرباً من أعمال العنف في بلادهم. وتوجه حمام خيري إلى الجمهور قائلاً: “أتينا نغني لبيت الدين وأهلها، ونفخر للعز والكرامة.. إن شاء الله تكون أيامنا فرحاً وسلاماً ومحبة في سوريا المحبة”. وأضاف “هذه الموشحات والقدود رسالة محبة من حلب”. وبعد استهلال بقطعة موسيقية على قالب “السماعي الثقيل”، وفقاً للتقليد الموسيقي المشرقي، بدأ حمام خيري على مدى ساعتين ونصف الساعة استعراض رصيد من القدود والأدوار، إضافة إلى الموشحات التي تعرف بأنها أندلسية، فيما هي ظهرت كقالب موسيقي في مدينة حلب، وجرى الخلط بينها وبين الموشحات الشعرية ذات النشأة الأندلسية. وأضفى حضور أعداد من السوريين الحفل بعداً جديداً من التفاعل بين المنشد والمتلقي، إذ تمايلت جموع من الجمهور على أنغام “يا ذا القوام”، و”يا غزال الركب”، إضافة إلى القدود الشهيرة جداً في سوريا والمشرق العربي “العزوبية”، و”يا طيرة طيري”، وغيرها. ومن التراث المصري المتداخل والمتشابه مع التراث الحلبي، قدم خيري دور “يا ما انت واحشني” للشيخ يوسف المنيلاوي (1850-1911)، وقد عرف هذا الدور في لبنان وسوريا مع المطربة ماري جبران (1907-1956) التي كان يطلق عليها اسم مطربة سوريا ولبنان. ومن التراث المصري أيضاً موشح “يا بهجة الروح” لسيد درويش (1892- 1923) الذي زار حلب في بدايات القرن العشرين، وتلقى فن الموشحات على يد أساتذتها الكبار. وفي هذا الموشح، أدخل حمام خيري ارتجالات سمحت له باستعراض لمقدراته الصوتية على الطبقات العليا، واستطرد في الارتجال، وصولاً إلى الشاعر الأندلسي ابن زيدون الذي ردد معه عتبه على الليل “لو بات عندي قمري ما بت أرعى قمرك”. ووجه حمام خيري تحيته الخاصة إلى الجمهور اللبناني منشداً “بين اللمى واللميا ذبت عشقا لبنانيا”. وعمد بعض الحاضرين إلى الهتاف “الله محيي سوريا”، و”الله محيي حلب”، واكتفى خيري برد التحية. ووصل تفاعل الجمهور إلى الذروة في “إبعت لي جواب”، و”يا مال الشام”، التي ضمنها بيتاً يقول “يا مال الشام وعيوني بتبكي قلبي ملآن وما بقدر احكي”. وشارك خيري في الأمسية فرقة موسيقية كبيرة، قوامها إلى جانب التخت الشرقي (العود والقانون والناي) آلات الكمان والتشيلو والإيقاعات العربية، وهو شكل الفرقة الذي بات معتمداً في الموسيقى العربية المشرقية في القرن العشرين، بعدما كانت تقتصر على التخت الشرقي في القرن التاسع عشر وما قبله، زمن ظهور معظم الأعمال التي قدمت في الحفلة. يختزن حمام خيري في صوته وذاكرته تراثاً حلبياً ضارباً في القدم، وهو تدرب على يد عمالقة الموسيقى في هذه المدينة. نال حمام خيري جائزة أفضل أداء في مهرجان اتحاد الإذاعات العربية في القاهرة العام 2000. وقدم أمسيات في مهرجانات قرطاج وسوسة والحمامات في تونس، وفي معهد العالم العربي في باريس وغيرها، وهو “يشق طريقه الخاص النابع من التراث والمتوافق مع الحداثة”، على ما جاء في الكتيب التعريفي الخاص بالمهرجان. أ ف ب | بيت الدين (لبنان)