أرض جهاد لبنان أرض نصرة وليس أرض جهاد في نظرتنظيم القاعدة الأصولي، لكن يبدو أن دوره تغيّر في الآونة الأخيرة. وشهدت الأراضي اللبنانية حصول ثلاث عمليات إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني على شمال إسرائيل، كان آخرها الإثنين الماضي، وتبنّاها فاعلٌ واحد كان تنظيم كتائب عبدالله عزام- سرايا زياد الجرّاح. التنظيم بحسب المعطيات المتوافرة لدى الباحثين ورجال الأمن يُعد الفرع اللبناني لتنظيم القاعدة. ويوصف عبدالله عزام بأنه رائد الجهاد الأفغاني الذي قتل في باكستان عام 1989. أما زياد الجراح فهو اللبناني القاعدي الذي كان واحداً من ال 19 شخصاً الذين نفّذوا هجمات 11 سبتمبر عام 2001. ورغم أن معظم أعضائه ليسوا لبنانيين، بحسب المعلومات التي تشير إلى وجود أعضاء سعوديين وفلسطينيين، إلا أنه يُعدّ تنظيماً لبنانياً متشدداً صاعداً بدأ يختطف الأضواء.
أبو جبل ووضعت وزارة الخارجية الأمريكية منذ أسبوعين مواطناً سعودياً على لائحة أخطر «الإرهابيين». وذكر تصريح الخارجية الأمريكية أن: «إبراهيم سليمان حمد الحبلين»، المعروف باسم «أبو جبل»، خبير في المتفجرات وعنصر قيادي في جماعة لبنانية متشددة تعرف ب «كتائب عبد الله عزام». وأضاف المتحدث الأمريكي، نقلاً عن تقارير إعلامية، أن «الجماعة أعلنت مسؤوليتها عن تفجير ناقلة نفط يابانية في يوليو العام الماضي»، مشيراً إلى أنها تبنت إطلاق بضعة صواريخ على شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة من جنوب لبنان. هذا ووضع «أبو جبل» في قائمة «الإرهابيين» يعني تجميد أي أصول له في أراضي الولاياتالمتحدة، ويحظر على المواطنين الأمريكيين إجراء تعاملات تجارية معه أو المشاركة في أي صفقات قد يستفيد منها. كما ذكرت وزارة الخارجية أن «أبو جبل» مطلوب تسليمه إلى الحكومة السعودية لمشاركته في أنشطة «متطرفة» في الخارج.
رعب لدى السكان لم يسمع أحد باسم المواطن السعودي المذكور في لبنان، لكن كنية «أبو جبل» ليست غريبة على قياديي الفصائل في المخيمات الفلسطينية. يؤكد هؤلاء أنه موجود في مخيم عين الحلوة، لكن أحداً منهم لا يستطيع الوصول إليه. يذكرون كلاماً عن علاقته بتنظيم كتائب عبد الله عزام، لكنهم ينفون وجود أحد يعترف علناً بأنه عضو في هذا التنظيم المحظور. فهو بذلك سيكون كمن ينتحر. ويذكر أحدهم أن مفتاح الوصول إلى «أبو جبل»، يكاد يكون مستحيلاً من دون المرور بالقاعدي توفيق طه، المطلوب لقوات الأمن اللبنانية بأكثر من عملية إرهابية، علماً بأن في رصيده أكثر من حكمين بالإعدام. والبحث عن توفيق طه داخل المخيم يشبه السؤال عن دولارات مزوّرة في مركزٍ أمني. يثيرالرعب لدى القاطنين الذين يجيب معظمهم بالنفي. تستمر في السؤال إلى أن تصل إلى أحد رجال الدين الذي يرشدك إلى أحد المقربين منه. يستمع ذلك الرجل المجهول إلى طلبك، ويستفسر عما تود معرفته، ويدوّن معلومات أولية عنك ويأخذ رقم هاتفك واعداً بأنه سيعاود الاتصال. تمرعدة أيام، قبل أن تتلقى اتصالاً من المجهول نفسه يخبرك بأنهم «غير موافقين على إجراء المقابلة في الوقت الحالي». ويبرر الرفض ب «الظروف الأمنية الحسّاسة التي تمر بها المنطقة». ويتحدث عن «شورى أفضت إلى عدم خوض غمار الإعلام حالياً حرصاً على سلامة الجماعة». ويفضل أفراد التنظيم القاعدي البقاء في الظل. ويعملون بهدوء ويتحكمون باللحظة التي يخرجون فيها إلى الضوء. كما يتردد في الأروقة الأمنية الضيقة أن التنظيم الذي وُلد عام 2004، آخذٌ في النمو. وترجّح هذه المعلومات أن عدد عناصر التنظيم الناشطين في مخيم عين الحلوة يناهز قرابة 50 عضواً فاعلاً. وحصلت «الشرق» من مسؤول أمني لبناني على معلومات تفيد بوصول حفيد عبد الله عزّام، عبد المجيد عزام إلى مخيم عين الحلوة شرق صيدا مؤخراً. وذكرت المعلومات أن عزام الحفيد تمكن من دخول المخيم بواسطة هوية مزورة باسم صالح شبايطة (مواليد 1971)، ليقيم في منزل عبد الغني جوهر بهدف ترتيب وضع المخيم ورص صفوف المجموعات الإسلامية الموجودة. وتحدثت المعلومات عن تسليم عبد المجيد رسالة من قيادة القاعدة إلى هيثم عبد الكريم السعدي المعروف ب «أبو طارق»، تطلب فيها منه توفيرالحماية لعبد الغني جوهر. أضف إلى ذلك، أن حفيد عبد الله عزّام عقد اجتماعات دورية مع كل من نعيم عباس وزياد أبو النعاج وتوفيق طه المعروفين لدى الجماعات الإسلامية بانتمائهم الواضح إلى تنظيم القاعدة. كما ذكرت المعلومات أن الحفيد الوافد طلب من هؤلاء تسليمه جميع المعلومات عن اليونيفل والخرائط، مشيرة إلى أن هناك حركة نقل سلاح واسعة، بينها صواريخ، داخل كل من مخيمي عين الحلوة والرشيدية في جنوب لبنان.
قيادة متطرفة وفي السياق نفسه، تذكر المعلومات أن أمير التنظيم الصاعد هو مواطن سعودي يدعى صالح عبد الله القرعاوي الذي لا يعرف موقعه الآن وهو المطلوب الأمني رقم 34 على لائحة المطلوبين 85 في السعودية. واستمر إمضاء صالح القرعاوي على بيانات كتائب عبد الله عزام حتى الآن، ويرجع الشيخ بكري فستق ذلك إلى جهات استخباراتية تستغل الأسماء لحساسيتها لدى السلفيين الجهاديين، لافتاً إلى أن كتائب عبد الله عزام أوجدت في لبنان لمواجهة حزب الله. ويستند في قوله إلى أن البيانات التي صدرت باسم هذا التنظيم ركّزت هجومها على حزب الله وعلى استخبارات الجيش اللبناني التي كان يرأسها العميد عباس إبراهيم. أضف إلى أنها هدّدت بالقيام بأعمال أمنية أثناء زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان في العام 2010. وتنقل أحد المواقع الإخبارية أن القرعاوي قاد فرع القاعدة في العراق، حيث كان مصرعه في تاريخ 8 يونيه 2006 نتيجة القصف الذي شنَّه سلاح الجو الأمريكي. من جهة أخرى، وبعيداً عن اسمي كل من القرعاوي وأبو جبل، حيث تتضارب المعلومات حيال مقتل الأول، أما الثاني فأُدرج على لائحة إرهاب الولاياتالمتحدة، يطفو إلى السطح اسم مواطن سعودي ثالث يدعى ماجد الماجد، تؤكد المصادرالأمنية اللبنانية أنه قدم إلى لبنان من العراق مروراً بالأراضي السورية بهدف تنظيم صفوف المقاتلين، وتعتبر المصادر نفسها أن الماجد هو الأشد خطورة.