روى النبي عليه الصلاة السلام «عن ربه تبارك وتعالى قوله: «يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا». كلما شاهدت من زيّنت له نفسه وإقبال الدنيا عليه ظلم الناس أشفقت عليه من بطش العزيز المنتقم الجبّار، فلا مهرب حينها ولا نصير ولا ملجأ من الله إلا إليه، أشفق على هذا الإنسان الذي سولت له قدرته أن يسلب ما ليس له وهو عارف بعدم حقه في الأخذ، وأشفق عليه من غروره بأنه في مأمن من عقاب الله! وأشفق عليه أخرى لأنه حين يقترف خطيئة الظلم إنما يظلم نفسه ويلقي بها في دروب النكال! يظلمها بفعل الأسباب المؤدية إلى غضب الله عز وجل فيكون عند ذلك مستحقاً لسخطه، ويكون عقاب الله في حقه عدلاً ولا يظلم الله أحدا. مثار شفقتي عليه لأن البشر الذين تمتد يده لأملاكهم أو يظل سادراً في غمط حقوقهم لضعفهم ويحتقر قدرتهم على ردِّ مظالمه متيقناً السلامة من انتقامهم هم في حقيقتهم قوة جبارة بأيسر ما تكون القوة والجهد والمشقة، ذلك أن سلاحهم دعوة مظلوم تنطلق من ألسنتهم صدقاً ليس بينها وبين الله حجاب، ليأتي انتصار الله لهم اقتصاصاً وعدالة لا يشوبها جور؛ بل هي منتهى الإنصاف والحق، عدالة إلهية قامت عليها السموات والأرض، فالظالم بفعله واستخفافه بالضعفاء وسلب ما لديهم هو الجاني على نفسه بشهادة يده ولسانه وعينيه وقلبه بل ونفسه ثم بشهادة الناس، وكفى بها شهادة في الدنيا والآخرة على مآل الظلم وقبلها عدالة الله وبراءته من الظلم: “إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” (يونس 44).