تبليسي – شيرين الشرافي التتار يسعون إلى الاندماج في المجتمع الأوكراني مع بعض الخصوصية ظهور جمعيات متطرفة في أوكرانيا تعادي الإسلام يثير قلق التتار حادثة تعميد الطلاب المسلمين أزعجتهم لكن الحكومة عدتها تصرفاً فردياً ترصد الحلقة الأخيرة من ملف «تتار القرم.. أمة مسلمة مهددة بالانقراض» تفاصيل العلاقة بين التتار المسلمين المقيمين في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا وحكومة كييف والعوامل التي تحكم طبيعة هذه العلاقة وفي مقدمتها مواجهة السلطات لمظاهر التمييز ضد المسلمين. كما تلقي هذه الحلقة الضوء على مخاوف المسلمين في القرم من الارتفاع في نبرة العداء ضد الإسلام والمسلمين من قِبَل كيانات عنصرية متطرفة بدأت تجد لها موطأ قدمٍ في أوكرانيا أسوة بدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، وتتناول الحلقة حادثة تعميد الطلاب المسلمين عنوة في إحدى مدارس القرم وما أثارته من اعتراضات من قِبَل الهيئات الإسلامية في أوكرانيا. باسل مرعي بدوره، يكشف مدير عام مركز الرائد الإسلامي باسل مرعي، في حوارٍ خاص ل «الشرق» تنشره في حلقة اليوم، طبيعة الخدمات التي تقدمها الجمعيات الإسلامية لتتار القرم خصوصاً في المجالين الخيري والقانوني. وكانت حلقة الأمس تناولت جهود تتار القرم للحفاظ على هويتهم الدينية وانتزاع اعتراف السلطات بحقهم في بناء المساجد دون تعقيدات وبحق نسائهن وبناتهن في ارتداء الحجاب في وثائق السفر. لم تقتصر مشكلات تتار القرم في جنوب أوكرانيا على الحجاب وبناء المساجد بل تعدت المسألة ذلك رغم تأكيد السلطات الأوكرانية منحهم كل الحقوق، ففي منتصف شهر إبريل من هذا العام الجاري ذهب رهبان إلى مدارس الطلبة في شبه جزيرة القرم، وقاموا بتعميد الطلاب بمن فيهم الطلبة المسلمون وأجبروهم على ذلك، ما تسبب في إثارة غضب المسلمين في القرم. بدورها، قالت دار إفتاء القرم إن رهبان مدرسة «أقمسجيد» الثانوية قاموا بتعميد طلاب المدرسة الابتدائية بمن فيهم الطلبة المسلمون، في اليوم الذي سبق عيد القيامة لدى المسيحيين، وأصدرت دار الإفتاء بياناً أعربت فيه عن اعتراضها القاطع على إساءة رجال الدين النصارى للمسلمين وعلى موقف إدارة المدرسة، كما أكد مفتي القرم الحاج أمير علي أبلاييف أن إجبار أطفال المسلمين على تقبل العادات النصرانية أمر لا يمكن السكوت عليه، داعياً السلطات الحكومية المعنية بوضع حد لهذا، حسبما ذكر موقع Azari Muslims الإكتروني الأذربيجاني, لكن الحكومة اعتبرت التصرف فردياً. أحزاب في القرم بالعودة إلى الماضي، نجد أن التتار المسلمين نشطوا قديما في إنشاء كيانات سياسية وصحف، فقد أصدر التتاري القرمي إسماعيل غاسبيرالي عام 1883 صحيفة ترجمان وكانت إحدى أكبر الصحف الإسلامية في تلك الفترة التي كان فيها يشغل منصب عمدة مدينة «بخش سراي»، من ثم وضع منهجاً جديداً للتعليم عرف باسم «أصول الجديد»، قلب بموجبه النظام التعليمي القديم للمسلمين في شبه جزيرة القرم رأساً على عقب، كما أصدر عدة دوريات منها، «عالم النسوان»، «عالم الصبيان»، «النهضة» حسبما ورد في دراسة «أقليات إسلامية منسية» للباحث سعيد كريدية. في عام 1905 وبعد هزيمة الروس على يد الدولة الآسيوية «اليابان»، تم تأسيس حزب «الاتحاد الإسلامي» الذي ضم جميع مسلمي روسيا بمن فيهم تتار القرم، لكنه سرعان ما تم حله عام 1908 وهاجر كثير من زعمائه إلى الدولة العثمانية. في عام 1917 تم تأسيس الحزب الوطني «مللي فرقة» من قِبَل جماعات سياسية تترية قرمية، وكان مؤسسوه شبابا مثقفين تلقوا تعليمهم في الدولة العثمانية وأوروبا الغربية، وكانوا يكافحون من أجل استقلال القرم الداخلي، وشكل أعضاؤه ربع سكان شبه جزيرة القرم تقريباً. وفي العام 1917 أيضاً عقد تتار القرم مؤتمراً وطنيا في مدينة سمفروبول انتخبوا خلاله لجنة تنفيذية مسلمة شكلت نواة الحكومة الوطنية التي أعلنت في أكتوبر من العام ذاته، واعترفت بها الدولة العثمانية وألمانيا. وفي 1921 أحكم الشيوعيون سيطرتهم على البلاد وتم تأسيس جمهورية القرم السوفييتية الاشتراكية المستقلة ذاتياً وكان التتار يشكلون 25 % فقط من سكانها آنذاك، وكانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي. وفي 1929 تم إعدام «ولي إبراهيموف» الذي كان رئيساً للجنة المركزية للحزب الشيوعي ولمجلس الوزراء في القرم، فأعاد فتح المدارس والصحف التتارية وأصبحت اللغة التتارية لغة رسمية إلى جانب الروسية، لكن الشيوعيين شنوا حملة تطهير واسعة في القرم ضد أعضاء «ملة فرقة» القدامى وأعدموا إبراهيموف بتهمة التجسس ومعاداة الثورة، حسب الباحث سعيد كريديه. وبعد ستة عقود، وفي العام 1991، تم تأسيس المجلس الأعلى لتتار القرم ممثلا للشعب التتاري المسلم، وانتخب مصطفى جميليف رئيساً له. وفي 2009 تم تشكيل المجلس الاستشاري لمسلمي أوكرانيا، ويضم الإدارات والمؤسسات العاملة في شتى أقاليم ومدن البلاد. اتحاد الرائد وباعتبار اتحاد «الرائد» هو الجهة الميدانية الأكثر فعالية على الأرض واحتكاكاً بالمسلمين هناك وتفاعلا معهم، أجرت «الشرق» حواراً خاصاً مع رئيس الاتحاد الدكتور باسل مرعي لإضاءة أكثر على واقع المسلمين هناك حالياً والصعوبات التي تواجههم وأهم المشروعات التي نفذت لصالحهم وغيرها من الملفات المهمة. * كيف هي الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية للمسلمين في أوكرانيا عامة والقرم خاصة؟ - المسلمون يتمتعون بجميع حقوقهم الاجتماعية والثقافية، ولا يُمنَعون في أوكرانيا من ممارسة حقهم في التظاهرات والاعتصامات، والجميع متكافؤون أمام الدستور والقانون الأوكراني، المسلمون في أوكرانيا لا يمكن اعتبارهم أقلية مضطهدة مستضعفة، إنما هم يمارسون شعائرهم ونشاطاتهم بشكل حر، تكفله القوانين كما ذكرت، ولكن لا يخلو الأمر من بعض التمييز على المستوى الإقليمي من قِبَل السلطات المحلية، أما تمثيلهم السياسي فهو ضعيف بشكل عام على مستوى البرلمانين الأوكراني والقرمي، لأسباب عدة منها قلة الكوادر القيادية السياسية لدى المسلمين، أما الوضع في القرم فهي جمهورية ذات حكم ذاتي، و60% من سكانها روس فهي بحكم ذلك منطقة تجاذب سياسي دائم مع روسيا. ولا يزال المسلمون يعانون من تداعيات عدم الاعتراف بهم كشعب مهجّر تم إبعاده عن وطنه أثناء الحقبة الشيوعية، ولاتزال الدولة تؤخر هذا الاعتراف خوفا من تداعياته التي تتمثل في تقديم التعويضات لهذا الشعب، وإعادة جميع ممتلكاته التي تم مصادرتها، رغم أن البرلمان اعتمد مشروع قرار يعترف ب «التهجير الذي مورس ضد الأقليات في القرم» بما فيه الشعب القرمي المسلم، ولكن الرئيس الأوكراني آنذاك لم يوقع على هذا القانون. * من خلال عملكم واحتكاككم المباشر بالمسلمين هناك، ما هي أبرز احتياجاتهم، ومم يعانون؟ - يعاني المسلمون خاصة في شبه جزيرة القرم من افتقار قراهم وبعض أماكن تجمعاتهم إلى بعض الخدمات الأساسية كالصرف الصحي وتمديد أنابيب الغاز، وتعبيد الطرقات، واستخراج تصاريح السكن الطويلة والمكلفة، وهذا كله بسبب ضعف التمويل المقدم من قبل الدولة لإعادة تأهيل قرى المهجرين، إضافة إلى مشكلة البطالة المتفشية. * ما الصعوبات التي واجهتكم بداية عملكم في الساحة الأوكرانية كمؤسسة إسلامية تهتم بشؤون المسلمين؟ - بداية نحن كمسلمين جزء من المجتمع الأوكراني والمشكلات التي واجهتنا وتواجهنا في العمل المجتمعي هي مثل كل المشكلات التي تواجه المؤسسات والجمعيات الأوكرانية كعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلد، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من بعض المضايقات الأمنية، والسبب في ذلك يعود للأسف إلى وجود بعض من يحمل الأفكار المتطرفة من المسلمين أو من لا يجيد لغة الخطاب المعتدلة فيؤدي ذلك إلى استفزاز الآخر، وإلى بعض التوترات التي تؤثر على عموم المسلمين. * حدثنا عن واقع المسلمين في أوكرانيا والقرم؟ - لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المسلمين في أوكرانيا والعدد التقريبي حوالي مليونين معظمهم في أقليم شبه جزيرة القرم، التي حكمها المسلمون القرميون لأكثر من خمسة قرون، وتحوي عديدا من المساجد التاريخية والآثار الإسلامية. ونحن منذ تأسيس الرائد سعينا جاهدين لمساعدة تتار القرم على الاستقرار في أرضهم من خلال عدة مشروعات تنموية (حفر الآبار، مشروع كفالة اليتيم، الإفطارات الجماعية، مشروع إعالة أرملة، مشروع البقرة لأسرة فقيرة) مع تعريفهم بدينهم من خلال المخيمات التعليمية والدورات الشرعية والمدارس الأسبوعية الدعوية. بالنسبة لمعاناتهم ذكرناها في السؤال السابق وممكن إضافة خطر الذوبان السلبي الذي يهددهم خاصة شبابهم من خلال وجودهم في مجتمع ذي عادات وتقاليد غربية بعيدة عن عادات الدين الإسلامي ونمط العيش الشرقي خاصة وأن أجدادهم وآباءهم ولدوا وترعرعوا في بيئة إسلامية (إذ أغلبهم كان مهجراً في أوزبكستان وطاجكستان)، وهذا الجو الاجتماعي والأسري ذو الروح المفعمة بالأخلاق والعفة والفضيلة والأدب تفتقر إليه الثقافة الأوروبية المادية. * ما هو شكل علاقتكم بالسلطة؟ وكيف تتواصلون معها فيما يخص الدفاع عن قضايا المسلمين في أوكرانيا وخاصة في القرم؟ - العلاقة مع السلطة مستقرة وجيدة نوعا ما، ونحن على تواصل دائم معهم من خلال المؤتمرات والندوات الحوارية التي يقيمها الرائد، وكذلك تنظيم النشاطات المشتركة مع عدة وزارات، ويتم خلالها عرض وجهة نظر الرائد بمختلف القضايا والمشكلات، والدولة من جانبها ترحب بكثير من أنشطتنا بل ويشارك ممثلوها في عدد منها. * نظمتم مؤتمرا دولياً يناقش كراهية الإسلام في القرم، ما أسباب هذه الكراهية؟ - في البداية نظمنا مؤتمرا يتحدث عن ظاهرة الخوف من الإسلام وليست كراهية الإسلام، ولقد شهدت القارة الأوروبية في الآونة الأخيرة ظهور بعض الجمعيات العنصرية المتطرفة، وأوكرانيا جزء من هذا المجتمع الأوروبي، حيث بدأت تظهر فيها مؤخرا عدة منظمات عنصرية معادية، ويحدث من حين لآخر بعض الاعتداءت على المقابر الإسلامية وأحيانا مقابر لغير المسلمين، ويمكن القول إن عوامل الاحتقان موجودة في المجتمع القرمي نظرا لأن جزءاً من المسلمين يعد نفسه ضحية وينظر للآخرين على أنهم يعيشون في بيته ويتمتعون بأرضه، فيما قسم آخر يرى في المسلمين خطراً مستقبلياً، وهو ما غذَّته وسائل الإعلام في أخرعشر سنوات. عائلة مسلمة عاشت قديما في جزيرة القرم (الشرق) قلعة لاستوتشوكن التاريخية في القرم (الشرق)