تبليسي – شيرين الشرافي 900 مسلمة أصررن على ارتداء الحجاب في وثائق السفر مقابرهم تعرضت لأعمال تخريب وتشويه خلال السنوات الماضية 80 % من مساجدهم أقيمت داخل بيوت لصعوبة إجراءات الترخيص ترصد الحلقة الثالثة من ملف “تتار القرم.. أمة مسلمة مهددة بالانقراض” جهود تتار القرم في جنوب أوكرانيا ومعاركهم القانونية للحفاظ على دينهم وهويتهم الإسلامية في مواجهة سلطات أوكرانية يتهمونها برفض الاعتراف بحق المسلمات في الظهور بالحجاب في وثائق السفر وبالتعنت في منحهم تراخيص بناء المساجد. وتسلط هذه الحلقة الضوء على كيفية تعامل التتار المسلمين مع أعمال الاعتداء المتكررة على قبورهم وجنوحهم إلى ضبط النفس في مواجهة تدنيسها، كما تتطرق الحلقة إلى مشروع تحويل منازل تتار القرم إلى مساجد للتغلب على مصاعب بنائها وتعقد إجراءات الترخيص لها. وكانت الحلقة الأولى من الملف تناولت كيف تحول المسلمون في القرم من حكام لهذه المنطقة من العالم منذ أن وصلوها في القرون الوسطى، إلى شعبٍ مهدد بالانقراض بعدما مرّ بويلات على يد روسيا القيصرية والشيوعية، فيما ركزت الحلقة الثانية على استمرار معاناة هذا الشعب رغم انتهاء تهجيره، وذلك لعدم اعتراف أوكرانيا رسمياً بما طالهم من هجرةٍ قسرية ومذابح. في يناير من عام 2010 تقدمت منظمة تتار القرم بطلبٍ للإدارة الدينية هناك من أجل مساعدة النساء المسلمات للحصول على حقهنّ في التصوير لجواز السفر وهنَّ يرتدين الحجاب. وكانت سوزانا إسماعيلوف “25 عاماً” من قرية باخشيساراي تقدمت بدعوى قضائية للمحكمة الإدارية بوزارة الداخلية الأوكرانية في العاصمة كييف، من أجل الحصول على حقها في التصوير بالحجاب لجواز السفر، حيث مُنعت من تقديم صورة وهي ترتدي الحجاب لاستخراج جواز السفر من دائرة الجوازات في قريتها، فبحسب التعليمات الإدارية الأوكرانية ووفقاً لقرار وزارة الداخلية الأوكرانية رقم A-600 يجب أن تكون الصورة الشخصية لجواز السفر بدون حجاب، وهو ما يتعارض مع قانون حرية الضمير والمنظمات الدينية وكذلك المادة 35 من الدستور التي تضمن حرية المواطنين وتعطيهم الحق في اختيار الدين دون أي مانع، حسبما ذكر محامي سوزانا الذي أضاف بأنه تلقى ما يقارب 900 طلب مماثل كطلب سوزانا من نساء مسلمات في القرم للمطالبة بالحق ذاته في ارتداء الحجاب في صورة جواز السفر، معرباً عن أمله في تسوية هذا الموضوع وتحقيق سابقة للمسلمات في أوكرانيا بهذا المجال. وفي السياق ذاته، رفضت المحكمة المركزية بالعاصمة كييف الدعوى التي أقامتها سوازانا ضد وزارة الداخلية الأوكرانية، إلا أن سوزانا صرحت بأنها لا تعتزم التوقف عن هذا الأمر، كما أكد محاميها أنور أوميروف أنها تستعد بالفعل للاستئناف وسوف تستمر في الدعوى وصولاً إلى المحكمة الأوروبية. قبور المسلمين سُجِّلَت عدة أعمال تخريب وتشويه لمقابر المسلمين التتار في عدة أماكن ومدن في شبه جزيرة القرم، ودوماً كان لا يتم العثور على فاعلين، وتكررت هذه الأعمال في الآونة الأخيرة بشكلٍ لافت وازدادت الأضرار الناجمة عنها والتصرفات الاستفزازية والعنصرية التي تستهدف تتار القرم المسلمين. في مطلع عام 2008 تم تخريب مقبرتين للمسلمين، وفي فبراير من العام نفسه تم تدمير أكثر من 270 شاهداً من شواهد القبور في مقبرة للمسلين في منطقة “نيزينجروسكي”، وقد ألقت الشرطة باللوم على أطفال المدارس المحلية آنذاك، رغم أن قوة الشرطة في القرم التي يغلب عليها المسيحيين والسلاف ونشطاء التتار اتهمت في الوقت ذاته ضباط شرطة بالتحيز المعادي للإسلام. وفي إبريل من عام 2008 أيضاً تم تدنيس مقبرة للمسلمين في قرية تشيستنكو، إذ وقع الهجوم ليلاً خارج القرية، وتم تشويه عشرات الشواهد في المقبرة وكسرها، وقد وجد تتار المنطقة أكثر من أربعين شاهداً من شواهد تلك القبور قد تضررت وكُتِبَ على جدران المقبرة والقبور باللغة الروسية “أيها التتار غادروا شبه جزيرة القرم الآن”، كما وُجِدَت رسوم لمشانق ورموز أخرى. وقال مفتي القرم المسلمين آنذاك لموقع أخبار المسلمين إنه لاشك في أن أعمال التخريب التي حدثت في منطقة نيزينجروسكي ومنطقة تشيستنكو مستفزة، وتستهدف التسبب في الاشتباك بين تتار القرم والسكان السلاف في شبه جزيرة القرم. وأشار المفتي إلى أن من يتحمل مسؤولية هذه الأعمال غير الإنسانية يظنون أن تتار القرم سيتخذون إجراءات انتقامية ضد مقابر المسيحية أو غيرها، ولكن هذا لم يحدث، ورأى أن وراء تلك الهجمات إما الروس، الذين يرغبون في زعزعة الوضع في القرم ليصبح مناسباً لجلب قواتهم للمنطقة، أو الأوكران الذين أبدوا عدم اكتراثهم لتلك الهجمات حينما وقعت من قبل والآن، لافتاً إلى أن الصراع في القرم قد يكون وسيلة لتحويل الأنظار عن المشكلات القائمة في البلاد وإلقاء اللوم على تتار القرم في ذلك، حسبما ذكر موقع “أخبار المسلمين” البريطاني في مايو من عام 2008. وفي السياق ذاته، سُجِّلَت حادثتا اعتداء مماثلة على قبور المسلمين في القرم في عام 2011 في أوقات متقاربة جداً، حيث ذكر موقع الإدارة الدينية لمسلمي القرم أنه في 12 و13 أغسطس تم تدمير قبر للمسلمين وإلقاء شاهد القبر في بكرة مياه بمكان قريب، كما تم كسر سياج المقبرة وتدمير مقعدين فيه، ورغم فتح تحقيق لم يتم العثور على الفاعلين. وبعد أيام قليلة من هذا الاعتداء وتحديداً بعد يومين من تلك الحادثة أي في 15 أغسطس، تم إصلاح القبر، وبعد يوم واحد من إصلاحه تعرض القبر للاعتداء مجدداً والتخريب، وكان قد قام بإصلاحه البرلمان المحلي والجمعية الإسلامية في المجلس الإسلامي للسكان المعنيين في مجلس قرية كيوبيشيف، حسب موقع الإدارة الدينية. وفي مايو من العام الجاري، ذكر موقع الإدارة الدينية لمسلمي القرم أنه في يوم 22 من الشهر قام مجهولون بتخريب قبور في أرض الصالحين المعروفة ب”إسكندرا”، التي تبعد قرابة ثلاثة كيلومترات عن مجلس قرية “عزيز كارلا”، ونتيجة أعمال التجريب دُمِّرَت تماماً شواهد القبور، وتدل طبيعة الأضرار أنه تم استخدام مطرقة ثقيلة لذلك. وقد قدم المجلس الروحي لمسلمي القرم طلباً للسلطات لملاحقة المخربين، وكان مفتي مسلمي القرم بالتعاون مع المجلس الروحي لمسلمي القرم، زار عزيز كارلا في عام 2011، وبعد تلك الزيارة بوقت قصير وقع أول عمل تخريبي في عزيز كارلا، أما هذا العام فقد جاء الاعتداء بتدنيس قبور الصالحين في إسكندرا وتدميرها قبل يومين فقط من الزيارة المقررة في 27 مايو للمكان ذاته كما العام الماضي، حسب الإدارة الدينية لمسلمي القرم. بدورها، ذكرت وكالة أنباء القرم أنه في بداية شهر يونيو الحالي تم فتح قضية جنائية حول تدنيس قبور المسلمين. بناء المساجد يعود تاريخ بناء أول مسجد في شبه جزيرة القرم إلى عام 1508م وهو المسجد الكبير، وكان أول بناء في مدينة سيمفروبول عاصمة الإقليم حالياً ومركزه الإداري والاقتصادي والعلمي، وكان اسم هذه المدينة “آق مسجد” أي المسجد الأبيض قبل أن يستولي عليها الروس. وفي العهد الحديث لأوكرانيا بعد استقلالها، صدرت أول رخصة لإنشاء أول مسجد في شبه جزيرة القرم في 17 فبراير من عام 2011، بعد خمس سنوات متواصلة من مطالبة المسلمين بتلك الرخصة وتعثر طلبهم لأسباب عدة، وكان لإعلان تلك الرخصة الصادرة عن مجلس مدينة سيفاستروبل الأوكرانية القرمية وقعٌ خاص على مسلمي البلاد الذين عبّروا عن فرحهم العارم بذلك. وكان تتار القرم يسعون منذ عدة سنوات لإنشاء جامع في عاصمة إقليم القرم، لكن دون جدوى، فبعد سلسلة من المطالب قررت بلدية سيمفروبل عام 2004 منحهم قطعة أرض لبناء المسجد في المدينة، لكن عمدة المدينة لم يصادق على القرار، كون الأرض تقع في مكان سيعطي “طابعاً إسلامياً للمدينة إذا ما بُني عليها”، حسبما ذكرت ليليا مسلموفا القيادية في مجلس شعب تتار القرم، للجزيرة نت 2010، ويذكر المصدر نفسه أن البلدية في عام 2007 قررت منح المسلمين قطعة أرض في مكان آخر لكنهم رفضوا كونها بعيدة وتفتقر للخدمات الرئيسية كالكهرباء والماء والمواصلات. ومع إصرار تتار القرم على حقهم في بناء المسجد، نظموا سلسلة فعاليات احتجاجية منذ عام 2008 أبرزها اعتصاماتهم المتواصلة في خيمة نُصِبَت على الأرض التي خصصت عام 2004 لبناء المسجد، كما أطلقوا حملة شعبية بعنوان “لبنة من كل تتاري”، لجمع لبنات بناء المسجد، واستطاعوا جمع مائتي ألف لبنة ومبلغ مالي بلغ حوالى 37 ألف دولار حتى يونيو 2010، بينما بقي حارس موقع بناء المسجد “الحارس التتاري” سيدامت سماعيلوف عدة سنوات يعيش في كوخ متهدم على جانب طريق مزدحم في مدينة سيمفروبول يحرس كومة من الطوب على أمل أن يكون في يوم من الأيام جامعاً جديداً لطالما خطط تتار القرم لبنائه في هذا الموقع، حسبما أورد تقرير حول الأقليات المسلمة في أوكرانيا في أغسطس 2010. مساجد في البيوت نظراً للصعوبات البالغة في استخراج رخص لبناء المساجد من الصفر، عَمَدَ تتار القرم إلى تحويل كثير من المنازل إلى مساجد، وهو مشروع أطلقه قبل أكثر من عشر سنوات اتحاد الرائد في أوكرانيا، أكبر مؤسسة اجتماعية تُعنى بالأقليات المسلمة في أوكرانيا، وحقق المشروع نجاحاً ملحوظاً بشهادة تتار القرم أنفسهم الذين عدّوه من أنجح المشروعات الإغاثية الإنسانية لإنقاذ هويتهم من الذوبان السلبي في المجتمع وتعزيز روابطهم الإسلامية كأقلية مسلمة، كما يشكل المشروع حلاً سريعاً يوفر لمسلمي القرم مساجد من جديد سرعان ما تنشط بعد افتتاحها في البرامج والدروس التي يحتاجونها، واليوم بلغت نسبة المساجد في شبه جزيرة القرم التي كانت بيوتاً وتحولت لمساجد 80% من مجموع مساجد القرم. وذكرت وكالة أنباء روسبالت الروسية في خبر لها حول مسلمي ومسيحيي القرم في 16 فبراير 2010، أن 16% فقط من المساجد في شبه جزيرة القرم لديها شهادة تسجيل رسمية لمبنى المسجد، مرجعة السبب إلى أن معظم المساجد تم إصلاحها، ف178 بناءً للمساجد ظل مسجلاً لدى مكتب الإحصاء الفني كنوادٍ أو محلات أو مكاتب وغيرها. وحول أسباب عدم حصول المساجد المشيدة من الصفر على تراخيص الدولة، نقلت الوكالة عن رئيس لجنة الشؤون الدينية في الجمهورية فلادمير ماليبورسكايا، قوله “إن المساجد التي بُنِيَت من الصفر، بُنِيَت على عجل بأموال مستثمرين أجانب لم يكونوا موجودين وقت بنائها، وبالتالي لم تراعِ أو تطابق معايير الدولة في البناء ولم تستوفِ شروطها”. باسل مرعي مدير عام مركز الرائد في أوكرانيا (الشرق) مسجد أوزبيك خان في مدينة القرم القديمة (الشرق) صور قديمة من متحف الفنون في شبه جزيرة القرم (الشرق)