رجل وامرأة من التتار المسلمين يبكيان في ذكرى التهجير (الشرق) تبليسي – شيرين الشرافي نسبتهم تصل الآن إلى 20 % من سكان القرم عهد جورباتشوف فتح باب العودة أمام المسلمين التتار إلى شبه جزيرة القرم حكومات كييف ترفض الاعتراف رسمياً بتهجيرهم خلال العهد الشيوعي ترصد “الشرق” في الحلقة الثانية من الملف الخاص “تتار القرم.. أمة مسلمة مهددة بالانقراض”، تفاصيل رحلة عودة التتار المسلمين إلى وطنهم شبه جزيرة القرم جنوب دولة أوكرانيا بعد سنواتٍ من التهجير على يد القادة السوفييت. وتكشف هذه الحلقة عن دور آخر قائد للاتحاد السوفييتي جورباتشوف في إعادتهم وموقف الحكومات الأوكرانية المتعاقبة منهم، كما تلقي الضوء على حركتهم الاحتجاجية ضد حكومات كييف للمطالبة بنيل حقوقهم وعلى رأسها الاعتراف بما تعرضوا له من تهجيرٍ قسري ومذابح على يد لينين وستالين. وتتطرق الحلقة الثانية إلى تنامي الدعاية ضد تتار القرم في عهد الحكومات الأوكرانية الموالية لموسكو وماذا فعلوا لمواجهة هذه الحملات. وكانت الحلقة الأولى، أمس، تناولت كيف تحول المسلمون التتار في القرم من حكام لهذه المنطقة من العالم منذ أن وصلوها في القرون الوسطى، إلى شعبٍ مهددٍ بالانقراض بعدما مرّ بويلاتٍ على يد روسيا القيصرية والشيوعية. انتهت حياة الآلاف من تتار القرم برداً وجوعاً ومرضاً خلال الرحلة القسرية المتواصلة والشاقة التي فُرِضَت عليهم عام 1944 في عربات المواشي داخل قطارٍ لم يتوقف إلا للتزود بالطاقة. ولدى انتهاء تلك الرحلة التي ألقت بهم في أواسط آسيا وصحراء سيبيريا الجليدية بدأت معاناة أخرى لا تقل بشاعة عما عانوه من قبل، فمن وصل منهم إلى كازاخستان كان في انتظاره مصيرٌ غاية في السوء، حيث ألَّبت السلطات هناك السكان المحليين ضدهم، فاستقبلوهم بمختلف أنواع الإهانات. أما خلال إقامتهم هناك فعانوا من الأمراض المختلفة نتيجة تلوث المياه ك”المالاريا” و”المغص الكلوي”، ولاسيما مياه البرك، وبقوا يعانون ظروفاً صحية سيئة حتى بداية عام 1945 حينما تمكنوا من حصاد محصولهم الذي زرعوه، كما عانوا قيوداً فُرِضَت على تنقلاتهم فمُنِعُوا من مغادرة المدينة أو القرية التي يسكنونها، وكانت عقوبة مخالفة ذلك السجن لمدة قد تصل إلى 25 عاماً مع الأشغال الشاقة، عدا الفقر الشديد الذي عاشوا فيه بحسب موقع الرائد في أوكرانيا. من ستالين لجورباتشوف عانى مسلمو القرم ظلماً وسياسية عنصرية منذ أيام روسيا القيصرية فالشيوعية، ومورست بحقهم أبشع سياسات التهجير القسري والتجويع والمجازر الدامية، إضافة إلى هدم وتدمير كل ممتلكاتهم وتراثهم الثقافي والديني والحضاري ولاسيما في العهد الشيوعي. في العهد القيصري حُرِموا من جميع حقوقهم وكثيراً من طُبِّقت بحقهم عقوبات السجن والتهجير والنفي والقتل. أما العهد الشيوعي فهو الأشد شراسة ودموية بحقهم ولاسيما عهد ستالين “السفاح”، إذ اتهمتهم السلطات الشيوعية بإثارة النعرات العرقية أو رفع شعارات معادية للدولة السوفييتية أو طرد رموزهم من وظائفهم ومعاهدهم الدراسية، وكثيراً ما صدرت بحقهم عقوبة السجن في معسكرات العمل سنوات عديدة تراوحت ما بين خمس إلى سبع سنوات في أحسن الأحوال. عهد لينين حَفَل بحملات تهجيرهم وعمليات قتل متعمد ما عدا المجاعات المنظمة والمقصودة التي راح ضحيتها الآلاف، أما عهد ستالين فكان الأقسى والأكثر دموية، إذ نفذ عدة حملات تطهير عرقي بحقهم إضافة لحملات التهجير القسري والمجاعة المنظمة وما نتج عنها من هلاك كثيرين، وزاد ذلك اتهامه لهم بالخيانة ونصرة الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، وما أنزله بحقهم من عقوبات شملت الإبادة والتهجير. في عام 1928 أقدم ستالين على حملات تطهير وإبادة جماعية، ونفذ أحكام إعدام بحق أعداد كبيرة من رجال الدين القرميين، فأغلق المساجد والمدارس الدينية وحوّل كثيراً منها إلى نوادٍ رياضية ومآوٍ للخيول وهدم عدداً آخر من المساجد، حتى لم يبقَ من أصل 1558 مسجداً سوى القليل جداً، ودمر جيشه الأخضر واليابس في البلاد، حسبما ذكر اتحاد الجمعيات الاجتماعية العاملة في أوكرانيا “الرائد” في دراساته، إضافة إلى المجازر الشهيرة التي ارتكبها جيش الشيوعيين بأمر منه، وتم ذكرها سابقاً. وفي عام 1946م أصدر مجلس السوفييت الأعلى قراراً بإلغاء جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي وإلحاقها بأوكرانيا، نظراً ل”خيانة شعب القرم لدولة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية”، حسبما ورد في القرار. ولعل عهد خروشوف، الأوكراني الأصل، كان الأقل ظلماً واضطهاداً من سابقيه، فقد تحدث في خطاب له عام 1956 عن “جرائم” تهجير الشعوب التي قام بها سلفه ستالين، وقال إن تهمة تواطؤ التتار مع الألمان كانت تهمة خاطئة، كما قام في العام ذاته بضم القرم إلى أوكرانيا، لكن رغم ما بدا للبعض من أن خروشوف أعاد لهم كثيراً من حقوقهم إلا أن الحقوق الأكثر والأهم لم يُعِدها لهم وهي استرداد أملاكهم وأراضيهم التي أُخِذَت منهم بالقوة وهُجِّروا عنها قسراً. ففي عام 1967 صدر قرار بتبرئة التتار مما نُسِب إليهم زمن ستالين من تعاون مع السلطات النازية وخيانة الوطن، حيث أصدر مجلس السوفييت الأعلى قراراً يُلغي فيه قراره الصادر عام 1946 بشأن خيانة تتار القرم وإلغاء جمهوريتهم، ورغم قرار التبرئة وإعلانه رسمياً إلا أن السلطات الشيوعية لم تسمح لهم بالعودة إلى وطنهم شبه جزيرة القرم، واتُخِذَت إجراءات صارمة لضمان عدم عودتهم إلى جزيرتهم في الفترة التي أعقبت صدور هذا القرار، وتم طرد كل من تم اكتشاف أمره داخل الجزيرة، كما تم تحذير المستوطنين الجدد من العقوبات المترتبة على كل من يبيع أو يؤجر بيته لهم، وكانت عقوبات صارمة، وعدّت كل عقد من هذا القبيل لاغياً مع فرض غرامات مالية على صاحبه. ونتيجة لذلك لم يبقَ من مجموع من وصلوا الجزيرة حتى نهاية عام 1967، البالغ عددهم سبعة آلاف آنذاك، سوى ثلاثة رجال وعائلتين، وازدادت الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات لمنعهم من العودة واتسعت لتشمل المناطق المحيطة بالجزيرة بعد اكتشافها تمركز عديد من العائلات التترية في المناطق المحيطة بالجزيرة نظراً لمنعهم من دخولها والسكن فيها، فمنعت السلطات الروسية مجدداً التمركز والوجود حتى في تلك المناطق الخارجية المحيطة بالجزيرة وذلك في عام 1972. رغم أن قرار مجلس الشعب السوفييتي عام 1967 نص على منح تتار القرم الموجودين في أماكن إقامتهم الجديدة نفس حقوق المواطنين السوفييت كالعمل والترشح والانتخاب والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية وإقامة مناسبات ثقافية خاصة بهم، إلا أن معظم بنود هذا القرار لم يُطبَّق، وبالتالي بقيت حالة التمييز التي يعاني منها تتار القرم في أماكن سكنهم الجديدة قائمة. لكن في عام 1989 زمن غورباتشوف، آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، الذي تبنى برنامجاً إصلاحياً منذ وصوله للسلطة في عام 1985م، بدأ المسلمون التتار رحلة العودة لبلادهم “شبه جزيرة القرم” التي أصبحت جزءاً من أوكرانيا، لكن عودتهم كانت بلا حقوق، فكان عدد الذين وصلوا منهم 300 ألف شخص فقط، ومات منهم الألوف بسبب الجوع والظروف السيئة التي عانوا منها لدى عودتهم تلك. بدء العودة وفي الفترة ما بين عام 1989 إلى 1992 توالت دفعات التتار العائدين إلى القرم، لتصل سنوياً إلى قرابة أربعين ألف تتاري مسلم، بينما عاد في 1997 نحو 3500 شخص، وفي عام 2002 نحو ألفي شخص، حسبما ذكر الدكتور أمين القاسم في مقاله المعنون ب”تتار القرم المسلمون بين محن ما قبل التهجير ومآسي ما بعده”، عبر موقع أوكرانيا برس الإخباري. وتقول الأرقام إن تتار القرم كانوا يشكلون عام 1770 نسبة 93% من سكان القرم والبقية أرمن ويونان ولم يكن هنالك روس آنذاك، وسرعان ما تراجعت نسبة التتار إلى 25.9% في عام 1921، فيما الروس والأوكران معاً شكلوا نسبة 51.5%، والبقية يهود وألمان، ومع حلول عام 1959 لم يُسجَّل أي وجود للمسلمين التتار في القرم أبداً، في حين أصبحت نسبة الروس الذين يسكنون القرم 71%، والأوكران 22%، والبقية من اليهود وقوميات أخرى، حسبما ذكر الدكتور أمين القاسم في مقاله على موقع أوكرانيا برس 14 مايو 2012. لكن الأمر بدأ بالتغير عندما سُمِحَ لهم بالعودة إلى أراضيهم تدريجياً، ثم تعقدت الأمور مرة أخرى، وهم اليوم يشكلون 20% فقط من سكان القرم، بينما بقية التتاريين مايزالون في محاولات مستمرة للعودة من شتى أماكن وجودهم التي أجبروا على العيش فيها، في مناطق مختلفة من روسيا وأوزباكستان وأوكرانيا نفسها وغيرها. وتم مؤخراً إدراج مسلمي القرم التتار في قائمة الأممالمتحدة للشعوب، باعتبارهم من الأمم المهددة بالانقراض، وهو ما أرجعه موقع شباب القرم بحسب مقال حول مصير مسلمي القرم للكاتب سيران أريفوف، إلى عدة أسباب حالياً أبرزها ما يتعرضون له من ضغوط ثقافية وزواج مختلط وفقدان للقيم والتلاعب بمفاهيم الدين والتقاليد والعرف. التتار والأوكران أعلنت أوكرانيا استقلالها رسميا عن الاتحاد السوفييتي في ديسمبر من عام 1991، وكان قبل هذا جرى في يناير 1991 استفتاء شعبي في القرم حول منح شبه الجزيرة استقلالاً ذاتياً ضمن جمهورية أوكرانيا السوفيتية، وصوت لصالح ذلك 93% من سكان شبه الجزيرة، فوافقت أوكرانيا على هذا المطلب بعد استثناء مدينة سفاستوبول من هذا الاتفاق، وهي المدينة الساحلية التي يوجد فيها أكبر أسطول بحري لروسيا في البحر الأسود، وفق اتفاقية مع الحكومة الأوكرانية يمتد مفعولها حتى عام 2017، علماً بأن السلطات الأوكرانية بعد استقلال أوكرانيا رسمياً أعطت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً ضمن أوكرانيا وذلك في يونيو 1992. وعقد تتار القرم مؤتمرهم الأول في مدينة سيمفروبل عاصمة الإقليم وذلك في يونيو من العام نفسه، وأسسوا المجلس الأعلى للتتار القرم كممثل للشعب التتاري المسلم، وتم انتخاب مصطفى جميليف رئيساً للمجلس، وهو مناضل تتاري قديم، كان قد رُحِّل وعائلته من قِبَل ستالين عندما كان صغيراً، وحُكِم عليه بالسجن 15 عاماً بعد ذلك بتهمة الانشقاق عن الاتحاد السوفييتي. وتعاقب على حكم أوكرانيا عدة رؤساء وفي كل مرة كان تتار القرم يتلقون مزيداً من الوعود بتحسين ظروفهم المعيشية ومساعدتهم في استعادة حقوقهم المسلوبة وأراضيهم التي طُرِدوا منها قسراً أيام الحقبة الشيوعية، ولكن كل تلك الوعود لم تتعد حدود الوعد والكلام اللفظي فقط، وحتى اللحظة مازالت السلطات الأوكرانية لا تعترف رسمياً بالتهجير الذي تعرض له تتار القرم خلال العهد الشيوعي، ربما خشيةً من عواقب هذا الاعتراف وما قد يجره في منطقة بالغة الحساسية، ولاسيما ما يترتب عليه من ضرورة دفع الدولة تعويضات مالية وعينية للمهجرين والمتضررين الذي يفوق عددهم المليون شخص. ولكن مع مرور كل تلك السنوات لم ييأس تتار القرم ولم ينسوا أو يتنازلوا عن حقوقهم في وطنهم وأرضهم، ونظموا عدة تظاهرات للمطالبة بتلك الحقوق، ففي شهر مايو من عام 1999 تظاهر أكثر من مائتي ألف مسلم في شوارع العاصمة الأوكرانية كييف مطالبين الحكومة بتعويضات عما قامت به من قتل وهدم وتشريد للمسلمين أيام العهد الشيوعي، وضرورة إصلاح أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، إضافة لتوسيع عضويتهم بالبرلمان، وقد استقبل الرئيس الأوكراني زعماء المسلمين بعد المظاهرة ووعد بإجراء إصلاحات وتحسين ظروفهم المعيشية وتحقيق مطالبهم، حسبما ذكر أحمد أبوزيد في مقاله “مسلمو القرم في دوائر النسيان” عام 2007، كما تحدث الكاتب عن إهمال الحكومة الأوكرانية بحق تتار القرم وعدم منحها الجنسية الأوكرانية لأي عائدٍ منهم ممن لا يملك منزلاً، في الوقت ذاته فمن يقم ببناء منزل دون ترخيص -وهو شبه مستحيل- يُهدَم منزله ويترك دون مأوى، كما ذكر أبوزيد أنه حتى ذلك العام 2007 ومسلمو القرم معظمهم لا يحملون الجنسية الأوكرانية وهي من أكبر العقبات التي تواجههم، إذ تشترط الحكومة دفع مائة دولار للشخص الواحد للحصول على الجنسية، الأمر الذي يبدو مستحيلاً لمحدودي الدخل ذوي العائلات الكبيرة التي قد تصل لسبعة أفراد في العائلة الواحدة، ما عدا وجود نسبة كبيرة بينهم تعاني البطالة التي وصلت في عام 2007 إلى 40% منهم، وانتشار الأمراض بين الأطفال بنسبة 80% منهم بسبب نقص المشافي والأدوية، حسب أبوزيد. وحتى اليوم مازال كثيرٌ من مسلمي القرم يسعون للحصول على موافقة السلطات للعودة إلى جزيرتهم، إما عن طريق تقديم الطلبات للجهات السياسية أو التظاهر والمسيرات، كالتي حدثت في العاصمة موسكو في عام 2008 عندما تجمع 300 شخص في الميدان الأحمر هناك واعتصموا ل27 ساعة طلباً لتنفيذ حقوقهم في العودة إلى وطنهم الأصلي، لكن قوات الشرطة قامت بتفريقهم، وهي مظاهرات قليلة الحدوث في العاصمة موسكو، وكانت الشرطة قد فرقت قبل أيام من هذه التظاهرة خمسة آلاف شخص احتشدوا جنوبي العاصمة الأوزباكستانية للمطلب ذاته. ضد حكومة كييف على صعيد آخر ما زال كثير من مسلمي القرم يحمِّلون الحكومة الأوكرانية مسؤولية الأوضاع التي يعانونها من عدم مقدرة الجميع على العودة لشبه الجزيرة وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع المحلي وعدم الاعتراف بتهجيرهم، وبالتالي عدم إعطائهم حقوقهم، ولا سيما استعادة أراضيهم التي هُجِّروا منها، إضافة إلى تنامي الدعاية المضادة لتتار القرم في عهد الحكومات الأوكرانية الموالية لموسكو واستغلال ذلك لتشويه صورة تتار القرم المسلمين، وفي سبيل التصدي لتلك الدعاية المستمرة في النمو والانتشار قام بعض التتاريين بتأسيس حركة لاتخاذ إجراءات مباشرة لاستعادة ما يرونه أراضيهم في القرم، ويترأس الحركة دانيال أميتوف، الذي قال في تقرير للجزيرة الإنجليزية في 29 أغسطس 2010 إن هذه الحركة نوعٌ من المساعدة الذاتية لأنفسنا، فلطالما تلقينا دوماً رفض السلطات لاستعادة أراضينا الشرعية في حين مُنِحت أرض أجدادنا للروس، وخسرنا تراثنا التاريخي، لذا كان علينا أن ننظم أنفسنا. وتعتمد هذه الحركة نظام وضع اليد على الأرض، واتباع سياسة الأمر الواقع، وهو أمر رفضته السلطات الأوكرانية، وحذرت من ذلك الفعل مراراً وتكراراً وعدّته جريمة قد تزيد التوترات العرقية. ويوضح التقرير الذي نشرته الجزيرة الإنجليزية على موقعها أن بعض التتار بعدما يتم رفض طلباتهم لبناء منازل، يقومون بالاستيلاء على الأرض بوضع أكواخ حجرية صغيرة للإشارة إلى حيازتهم الأرض، ومن ثم بناء منزل أكبر من الكوخ الحجري على الأرض ذاتها وفق الموقع المعتمد ذاته، لكن تلك الإجراءات لاقت معارضة من قِبَل الحكومة الأوكرانية أيضاً وحذرت منها عدة مرات، كما حث رئيس برلمان إقليم القرم على عدم تسييس قضية الأرض، وعدم تكرار أخطاء الماضي، مؤكداً أن إدارته تبذل ما في وسعها للمساعدة في إعادة توطين التتار رغم الصعوبات المالية. وفي السياق ذاته، يقول أحد واضعي اليد على الأرض بهذه الطريقة ويُدعى موهتيرين يوسين، الذي بنى منزلاً لزوجته وأولاده بعد عودته من المنفى، إنه ليس لديه خيار آخر سوى اتخاذ إجراءات مباشرة، فإذا كانت الحكومة لا تتخذ أي خطوات لمساعدتهم لإعادة بناء أنفسهم في وطنهم الأم، لذا فهم مجبرون بأنفسهم على اتخاذ الخطوات اللازمة لإيجاد ظروف لائقة لأنفسهم، وهو أمر نظر له بعض المحللين كنوع من تصميم التتار على إعادة تأسيس مجتمعاتهم بأنفسهم وليس نتاج يأس من طول مدة المطالبة دون جدوى. أما رئيس مجلس تتار القرم جميليف، فيتحدث عن الدعاية المضادة لتتار القرم، ويؤكد أن الجميع يحاول تصويرهم بطريقة سلبية، ولاسيما في ظل الحكومات الموالية لروسيا، ولفت إلى وجود بعض السياسيين الموالين لموسكو في المنطقة، الذين يدعون علناً لفكرة التوحد مع روسيا، وهو ما يدعمه كثيرون من الروس في القرم، ولذا يشعر التتاريون بالقلق الشديد تجاه ذلك ويرون فيه تهديداً محتملاً، ولاسيما مع سماح الحكومة الأوكرانية للمشاعر الانفصالية بالنمو حسب قوله، ورغم أنه أشار إلى إعلان الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش التزامه شخصياً بحل مشكلات التتار وإدارته لقضيتهم بنفسه، إلا أن جميليف أوضح أن التتار سمعوا وعوداً كثيرة من قبل من سياسيين دون أي يتحقق أي شيء، وها قد مضى على عودتهم من المنفى أكثر من عشرين عاماً. تظاهرة سابقة لتتار القرم للمطالبة بالاعتراف بتهجيرهم (الشرق) تتاري من العائدين إلى الوطن بعد انتهاء الهجرة (الشرق) إحدى البنايات الأثرية التي بناها التتار في القرم (الشرق)