تعد المراهقة من أكثر مراحل النمو إثارة للدارسين والباحثين في مجال العلوم النفسية والاجتماعية، لما لها من طبيعة خاصة من حيث اتساع مساحتها التي تحوي جملة من التغيرات البدنية والنفسية والانفعالية. ولا شك أن فشل المراهق في تحقيق مطالب وتحديات مرحلته يجعله يشعر بالاغتراب النفسي، أو الشعور بعدم تعيين الهوية، وما يتمخض عن ذلك من جملة أعراض نفسية مصاحبة، وهذا يعني أن البحث في الهوية يتضمن البحث في الاغتراب. والإحساس بالهوية، أو الكينونة، يعني أن يرى المراهق نفسه فرداً مستقلاً عن الآخرين، له ميوله وقيمته واهتماماته وأدواره في الحياة، وطموحاته واختياراته التي قد تختلف، أو تتفق، مع الآخرين، ولها قدر نسبي من الثبات والاستقرار. إن المراهق في سعيه إلى تنمية الإحساس بهويته يقضي جل سنوات المراهقة في التفكير والمراجعة والتأمل في الأفكار والقيم السائدة، وكذلك الخيارات المهنية التعليمية المتاحة، وكيفية النجاح في الصداقات مع أقرانه، وتبنّي قيم معينة، وأدوار اجتماعية، وأفكار وخيارات متعددة تمنحه الإحساس بوجوده المستقل المتميز الذي يساعده في بناء المستقبل. ولهذا يتعرض المراهقون إلى ما يعرف بأزمة الهوية. وأزمة الهوية المشكلة الرئيسية في مرحلة المراهقة، عندما يبدأ المراهق يسأل نفسه: من أنا؟ من أكون؟ ما دوري في المجتمع؟ كيف أثبت وجودي؟ كيف أحقق النجاح؟ ويجد المراهق نفسه أمام مطالب متعددة، وأفكار متناقضة، مما يجعله يعيش صراعات متعددة، وخاصة في ظل التغيرات الجسمية والعقلية والنفسية والانفعالية. وإذا فشل المراهق في تحقيق هويته يكون رهن اضطراب الهوية Identity confusion، واضطراب الدور Role confusion، أو خلط الهوية، أو تبني هوية سالبة، وينتج عن ذلك عدد من الاضطرابات التي تؤدي بدورها إلى ظهور أعراض مرضية قد تعصف بالمراهق، وتلقي بظلالها على مستقبله.