تسعى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى ضمان نزاهة الإنفاق والحد من الفساد في الأجهزة المشمولة باختصاصات الهيئة وبذلت جهوداً كبيرة في جانب أن تصرف الموارد في مصارفها الصحيحة لأن أي صرف للمال العام أو حتى القطاع الخاص في غير مصرفه الصحيح يعد فساداً سواء اتجه إلى جيوب الأفراد وحساباتهم أو أهدرت هذه الموارد لمصالح معينة أو بسبب سوء التدبير، لكن هناك جانب آخر لم تمتد إليه يد «نزاهة» بعد إما لحداثة عهدها أو لكثرة الملفات التي بين يديها، غير أن موضوعها لا يمكن أن يدرج ضمن أولويات مجدولة زمنياً، فالفساد يظل فساداً ومكافحته بكل درجاته أولوية، فماذا ستقول «نزاهة» في هدر ما يزيد عن 420 مليار ريال خارج المملكة خلال أربع سنوات هي تحويلات العاملين في السعودية إلى الخارج يضاف إليها أرقام غير معروفة للتحويلات التي تتم خارج الإطار المصرفي وتنشط في أوساط الحوالات العمالية الشخصية، وفي ظل بطالة تتجاوز المليون مواطن ومواطنة وفق أقل التقديرات. الخلل هنا ليس في العمالة القادمة للعمل في السعودية فهؤلاء قدموا للعمل بطريق نظامية وبرغبتنا واستقدامنا لهم ويؤدون العمل في الغالب بشرف ويبذلون جهداً يأخذون عليه أجراً ولهم حقوقهم وكرامتهم وتقديرهم لقاء إسهامهم في نهضة البلاد، لكن الخلل يكمن في إدارات وأفراد تصرفوا وفق أنظمة لم يراعوا تحديثها أو اختراقات أو سوء تدبير في فتح باب الاستقدام وتضييق فرص العمل أمام السعوديين، وإذا كان من رسالة الهيئة الحرص على النزاهة والشفافية والصدق والعدالة والمساواة فإن من الفساد أن يفتح باب التأشيرات الحرة بالآلاف لتباع في السوق السوداء وتسيح فيها العمالة في بلادنا دون ضابط، ومن الفساد فتح باب العمل لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل وغض الطرف عنهم من المؤسسات العامة والخاصة، ومن الفساد منح الاستثناءات لبعض الهيئات أو الأفراد في الاستقدام والتشغيل، ومن الفساد أيضاً التساهل في متابعة موضوع التستر وخاصة في قطاع التجزئة والمهن، ومن الفساد أيضاً فتح الباب أمام العمالة لفتح مؤسسات متواضعة باسم الاستثمار الأجنبي، وأخيراً ألا يستثير «نزاهة» خروج 420 مليار ريال فيما يشكو مليون شخص من البطالة.