كثرت أخبار الانتحار في الآونة الأخيرة حتى ألقت بظلالها على أفكار الناس بشيء من القلق والتوجس من القادم، خصوصا أن خبر انتحار شخص ما صار خبرا عاديا، فالله المستعان. إن مجرد التفكير في الانتحار يعد جريمة بحق النفس التي أمر الله الإنسان بالحفاظ عليها، وهي من ضروريات الحياة الخمس التي أُمرنا بالحفاظ عليها، وهي (الدين، النفس، العقل، النسل، والمال) فالانتحار يعني أن المنتحر اختار خسران الدنيا وخسران الآخرة، ونازع ربه في أجله وقدره في هذه الحياة، وما كان له أن يقوم بذلك. ومن الخطأ أن ندخل في تفسيرات بعد كل قصة انتحار، نتناول فيها حياة المنتحر ونقول: إن الظروف التي كان يعيشها أقوى من أن يغلب فيها قانون الحياة على قانون الموت، لأن المؤمن رزق بنعمة لا تساويها كل نعم الأرض: رزق بالصبر. وقد ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجب لأمر المؤمن، إن أمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرا له، فأمر المؤمن كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن). فالمؤمن بحق يدرك أنه منذ جاء إلى الدنيا وأطلق الصرخة الأولى، أنه موعود مع مشاق الحياة ومصاعب العيش، والله سبحانه وتعالى يقول: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}. والصبر دواء جميل، وأحفظ لشوقي قوله: وصابر تلهج الدنيا بنكبته تخاله من جميل الصبر ما نكبا كما أن المؤمن يدرك أنه أمام محطات من الابتلاء لتمحيص إيمانه عندما يواجه معاناة العيش. وفي الحديث: “إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه”. ولهذا لا يمكن أن يكون هناك من دواء ليعالج به الإنسان أسقام نفسه عندما تفيض به هموم الحياة بمثل (دواء الصبر) وهو دليل على قوة الإيمان، ولا يمكن أن يكون إنهاء النفس هو العلاج والانتهاء من مصائب الدنيا والراحة منها، فالمنتحر ألقى بنفسه إلى التهلكة بمعصية الانتحار بعد أن فشل في مواجهة واقعه، فعالج سقمه بغير ما يصلح أن يكون علاجا. يجب أن نعلم كل ابن من أبنائنا أن قيمة الحياة أن يعيشها بكفاح وعمل دائب ورغبة في العطاء، أكبر من الرغبة في الأخذ، وأن الحياة أمل وتفاؤل مهما كانت الظروف، وأن الحياة حياة كما تحمل اسمها، وأن الحياة لا تعني الموت بل عكسه تماما حتى يأذن الله وحده باسترداد أمانته.. ونسأل الله لنا ولكم حسن العاقبة والخاتمة الطيبة.