كنتُ على شاطئ البحر أمارس هواية صيد السمك، وبجانبي راديو ترانزيستور صغير تنبعث منه موسيقى هادئة حين فجأة حطّت مركبة فضائية، اختطفتني وأقلعت بي نحو المجهول. وبلمح البصر وجدتُ نفسي جالساً بجانب كائن آلي يحدثني بلغة عربية سليمة، موضحاً لي سبب اختطافي، الذي كان بهدف تمثيل كوكب الأرض «بصفة مستمع»، في مؤتمر الشعر الفضائي الحديث. وبوصولنا إلى الكوكب المجهول، قادني مرافقي الآلي إلى المقعد المخصّص لكوكب الأرض. وبعد لحظات، برَقَت أشعة خاطفة، معلنةً بدء المؤتمر، لينقطع على إثرها الضوء لعدّة ثوانٍ، حداداً على انطفاء شاعر مدار الشمس «أبو لهب»! ثم توالت الأبحاث والقصائد. وكان مرافقي الآلي، طوال الوقت يترجم لي – مشكوراً – فحوى جميع الكلمات التي أُلقيت، والقصائد التي أُنشدت. إلاّ أنني وبداعي حشريتي اللبنانية، توجهت إلى «لمبة مشعشعة» كانت بجانبي وسألتها: آنسة لمبة، هل تتكلمين العربية؟ فأومأت بالإيجاب. فقلت لها: هل أنتم على صلة ومعرفة بحركة الشعر الأرضي الحديث؟ فأجابت باسمة: إننا نملك كافة المعلومات عن شعركم وشعرائكم، كما وأننا نحتفظ بالآلاف من قصائدكم. فتهلّل وجهي فرحاً وفخراً لوصول شعرنا الحديث إلى أبعد المجرّات والكواكب، وطلبتُ منها إلقاء نظرة على المكتبة التي تضمّ كل إبداعنا وذلك للتأكد من صحة القول، ولحمل هذه البشرى إلى الأصدقاء الشعراء، فأجابت بإيجاز: لا يوجد لدينا هنا ما يسمى بالمكتبة، وإنما «ثلاّجة» تحتوي على «معلّبات» من شعركم الحديث، ونحن على الدوام نراقب هذه المعلّبات، مدقّقين في تواريخها وذلك لرمي ما يفسد منها، واستبدالها «بأخرى» جديدة. وتابعت: يكفي يا بن آدم أن تتناول «عيّنة» مجلّدة من تلك «الثلاّجة» وتعرّضها قليلاً لحرارة الشمس، وتنتظر حتى يذوب الثلج! فجأة صحوت من هذا الحلم على صوت المطربة «شادية» المنبعث من الراديو الصغير وهي تغنّي: قولو لعين الشمس ما تِحْمَاشي، لَحْسَن حبيب القلب «راجع» ماشي!