يكره مديرو المُنشآت العامة الخصخصة لأنها تُعرِّض أنشطتهم لأشعة الشمس وترفع عنهم مظلة الحماية غير المشروطة، وترمي مُنشآتهم في بحر الحرية الاقتصادية الزاخر بأمواج المنافسة العاتية. قبل عدة سنوات ارتفعت أصوات المُخلصين مُطالبين بخصخصة الخطوط السعودية لأن هذا هو السبيل الأكثر واقعية لتمكينها من اللحاق بركب الخطوط المماثلة، الإقليمية والعالمية. ويبدو، والله أعلم، أن مسؤولي المؤسسة اقتبسوا من مُديري شركات القطاع الخاص تكتيك (الأرض المحروقة) لامتصاص دعوات التخصيص وتحييدها، فما هو هذا التكتيك؟. عندما تتدهور أحوال الشركة المُدرجة وينخفض سعر أسهمها تكون عُرضة لهجمات الاستحواذ العدواني، التي تُنظمها وتشجعها القوانين -ومن بينها نظام السوق المالية السعودي- من أجل رفع كفاءة الشركات والاقتصاد على وجه العموم. ويُقاوم مُديرو الشركات الهزيلة عروض الاستحواذ لأن جهود الشركة المُستحوِذة ستركز على رفع مستوى كفاءة الإدارة في الشركة المُستهدَفة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون تغيير الإدارة. ولذا طور مديرو الشركات تكتيكات ومكائد لصد هجمات المُستحوذين، تُعرف مجازاً بأقراص السموم poison pills ومن أشهرها: البَرَشوت الذهبي golden barashot ويستخدم لوصف لجوء المديرين إلى استصدار وعود من شركتهم تضمن لهم الحصول على مبالغ في حالة الاستغناء عنهم تكون كبيرة جداً بما يكفي لردع المُستحوذين لأنه يرفع تكاليف تغيير الإدارة إلى مستوى يجعل من الاستحواذ أمراً غير ذي جدوى. ومن تكتيكات (أقراص السموم) ما يُسمى بأسلوب الأرض المحروقة Scortched earth ويُقصد به لجوء المُديرين إلى إفراغ الشركة من أصولها النقدية والعينية عند إحساسهم بوجود نوايا استحواذ عدوانية ضد شركتهم، مما يحمل الشركة المُهاجمة على التراجع. ويبدو، والله أعلم، أن هذا التكتيك هو الذي يُفسر تمزيق مؤسسة الخطوط السعودية وبيع أشلائها. في البداية فصلت المؤسسة قطاع التموين تمهيداً لبيع ثُلثه للجمهور. وفي حين نفى مُديرها الإقليمي في الرياض أن سبب تأخر الخصخصة عدم وجود أصول ثابتة أو منقولة، أعلنت المؤسسة عن إطلاق شركة عقارية لاستثمار أحد أصولها العقارية، مدينة الخالدية السكنية التي تُقدر قيمتها بمليارات الريالات. يا له من تكتيك ذكي قلب المؤسسة من هدف للتخصيص إلى جهة تصنع التخصيص، وضمن بقاءها مؤسسة عامة بعد إفراغها من أصولها الجيدة، وأكسب بيروقراطييها ميزات عضوية مجالس إدارات شركات جديدة، والتصرف في أصول هائلة. أما ثمن ذلك فسيدفعه الاقتصاد الوطني وسُمعة الناقل الوطني، وعشرون مليون عميل.