واضح أن أسلوب النظام السوري في المراوغة تجاه المطالب الشعبية، ومن ثمّ المطالب الدولية، ليس مسألة تتعلق بإصلاحات سياسية أو دستورية يمكنه تنفيذها، أو بموافقة على الوثيقة العربية، التي تنص على وقف العنف وسحب القوى العسكرية من شوارع المدن، أو بموقف سياسي خاطئ للقيادة المتحكمة بالقرار، وليس ناتجاً عن عدم الخبرة السياسية، بل الأمر يتعلق ببنية وطبيعة النظام، وفهم قياداته للسلطة والدولة والوطن. لقد خلط النظام هناك بين السلطة والدولة، وأصبحت السلطة والدولة والوطن كلها تعني السلطة القائمة، وسلطة كهذه لا يمكنها الاستمرار إلا بالقوة والاستحواذ على السلاح، لتأمين وجودها، فالسلاح والسلطة والاستمرار كلٌّ لا يتجزأ، ولذلك لا مجال لأي نقاش أو حوار مع أي طرف كان، ولا يوجد في قاموس هذه السلطة مفردات الحوار أو الشراكة، ومن المعروف أن المنطق الذي يحكم به النظام، هو التسلط والطغيان منذ عقود، وعلى الجميع أن يعيش كما يرسم ويخطط له، وكل ممارسات هذه السلطة وشعاراتها ليست خارج هذا السياق، مثل شعارهم “الله سورية وبشار” ولا مجال للاختيار. لهذا يأتي موقفه المراوغ ووعوده المطاطية للدول العربية ضمن هذا السياق، فالوثيقة العربية نصت على وقف العنف، وسحب الجيش والآليات العسكرية من الشوارع، وإفساح المجال لحوار مع المعارضة تحت سقف الجامعة العربية، وطبيعي أن وقف العنف وسحب القوات العسكرية من المدن، يعني بالنسبة للنظام خروج أغلبية المدن السورية عن سيطرته، وبالتالي سقوطه، خاصة بعد انشقاقات كثيرة داخل الجيش، وتشكيل الجيش السوري الحر، إضافة لوجود المجلس الوطني السوري كإطار سياسي، وحصوله على اعتراف العديد من الدول الغربية والعربية كممثل للشعب السوري. لقد لعب النظام السوري منذ بداية أزمته على عامل الوقت، ولهذا كان يقدم وعوده، بالإصلاح من جهة، ويتمسك برواية “العصابات المسلحة” لتبرير أعمال القتل، وانتشار قواته العسكرية من جهة أخرى، مراهناً على سحق الانتفاضة، وما زال يراهن على ذلك، فهو مخرجه الوحيد للبقاء، ولذلك ترتفع وتيرة العنف والقتل مع كل مهلة تعطى له، مراهناً على جر البلاد إلى حرب أهلية، وجر قوى إقليمية إلى ساحة الصراع، خاصة مع تصدر الملف النووي الإيراني واجهة الأحداث، والتصعيد الإيراني تجاه دول المنطقة مع قرب انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وتأتي محاولات النظام الأخيرة في المراوغة مع الجامعة العربية بعد تعليق عضويته فيها، لإعادة الاعتبار له، خاصة بعد طلبه توقيع الوثيقة في دمشق، وإعلام الأممالمتحدة ومجلس الأمن بأنه التزم بنص الوثيقة، خشية إجراءات دولية محتملة ضده.