جازان، الدمام – أمل مدربا، ليلى الصامطي دراسة: 78.3 % من العاطلات عن العمل بالمملكة يحملن شهادة جامعية وأكثر من ألف عاطلة تحمل شهادة دكتوراة إلهام حسن:الأهل ينظرون للخريج بأنه رصيد اقتصادي متميز ولكن المشكلة تبدأ عندما يضاف إلى قائمة العاطلين! جميلة العيسى: بطالة الخريجات ليست حكرا أو صفة خاصة بدارسات الآداب ومخطئ من يظن أنها لا تلبي حاجة سوق العمل تخرج الجامعات السعوديّة، آلاف الطالبات السعوديات سنويا، بتخصصات توصف بأنها «روتينية»، نظرية وتربوية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم البطالة في الوسط النسائي، نظرا لمحدودية الفرص الوظيفية النسائية، واقتصارها على مهنتي التعليم، والصحة، ما جعل المطالبات بفتح مسارات جديدة في سوق العمل، تستوعب هذا الرقم الكبير من الخريجات، وتؤهلهن بالخبرات اللازمة، ومهارات التعامل، وقد اعتبره كثيرون من أولويات المهام التي ينبغي أن تقوم بها الجهات المعنية حالياً. مضاعفة المشاركة وفي دراسة تحليلية شاملة أصدرتها مؤسسة «بوز أند كومباني» وقامت بإعدادها و كتابتها مستشارة أولى في مركز الفكر في الرياض التابع للشركة منى صلاح الدين المنجد، ذكرت الدراسة، أنه منذ العام 1992 م ارتفعت نسبة القوة النسائية السعودية المشاركة في سوق العمل ثلاثة أضعاف فبلغت 14,4 % بعد أن كانت 5,4 % إلا أن هذه النسبة هي الأقل في منطقة الخليج، وإن 78,3 % من العاطلات عن العمل بالمملكة يحملن شهادة جامعية، وأكثر من ألف عاطلة تحمل شهادة دكتوراة، ما أسفر عن احتياج النظام التعليمي المحلي إلى إصلاحات جذرية من شأنها أن تهيئ النساء لوظائف تنافسية. تفوق وعطالة وتقول حنان النجعي، خريجة لغة عربية، إنها لم تكن تتخيل على مدى سنوات دراستها وسعيها الدائم للتفوق وطموحاتها الكبيرة أنها ستنتظم في صف العاطلين، وتضرب بآمالها عرض الحائط، وتواجه رفضا قاطعا من أهلها في مواصلة دراستها العليا، خاصة وهم يرون أختها الكبرى الحاصلة على ماجستير في الأدب المقارن من خارج المملكة، العاطلة عن العمل تم تجاوزها حتى من (حافز) لعدم توفر الشروط لديها. لماذا درسنا إذن؟ وتتساءل خديجة حكمي طالبة جامعية -قسم رياضيات- «لماذا تم قبولنا في هذه البرامج وبهذه الأعداد، حتى بالرغم عن إرادتنا، مادامت تخصصاتنا مكتفية، وجل العاطلات من خريجات جامعات حكومية، إذا كانت الجامعة نفسها ليس لديها احتياج ولا رغبة في توظيف الأولى على دفعتها؟ وهل يحق للجامعات الأهلية التي تتلقى دعماً حكومياً على شكل منح وهبات أن تشترط جنسية من يعمل فيها بحيث يكون لديها متقدمة سعودية وأجنبية فتفضل الأجنبية لجنسيتها فقط؟ وعندما لا تكون المواطنة صاحبة الشهادة العليا مؤهلة للسلك الأكاديمي، فما هي البدائل المتاحة لها؟» ظروفي صعبة وتصف ليلى خالد خريجة تاريخ نفسيتها المتأزمة، وحاجتها الماسة للمال لظروفها الصعبة، التي اضطرتها للعمل حارسة أمن في أحد قصور الأفراح بمرتب لا يتجاوز 900 ريال بعد انتظار دام 12 سنة لديوان الخدمة المدنية. وتقول «زهور صالح» خريجة دراسات إسلامية إنها وبعد جلوسها بالمنزل لأكثر من عشر سنوات لم تعد تتذكر شيئا مما درست، وسيكون إنتاجها محدودا فيما لو صدرت موافقة بتعيينها، بعد أن قتلت طاقاتها وتحطمت معنوياتها، وقلت ثقتها بنفسها. المجتمع عائق وتقول «هند خالد» خريجة أحياء لم أستسلم للبطالة، ولم أفضل المكوث بالمنزل، وحاولت الخروج من هذا الجو، لكن نظرة المجتمع القاصرة حدّت من طموحي حين بدأت أخطّط لمشروعي الأول وقوبل بالرفض من جميع أهلي، ما صدمني في البداية لدرجة تعرضي لارتفاع في ضغط الدم، وصف بأنه نتيجة لصدمة نفسية، ما جعل أبي يترفق بي ويسمح لي بتنفيذ مشروعي، لكنه اشترط علي أن يكون باسم أخي الأكبر». التعليم لأجل التعلم ويقول رئيس جمعية حقوق الإنسان بمنطقة جازان أحمد البهكلي «أنا لا أتفق مع أن يكون توجه الجامعات تخريج طالبات بحسب حاجة سوق العمل، وإنما تخرج في كافة التخصصات العلمية والتطبيقية، والإنسانية، لسد احتياج المجتمع من الخريجين المؤهلين الذين يحملون درجات عالية، وما يردد من أن هدف الجامعة هو تخريج موظفين خاطئ، وإنما هدفها الأساسي هو تخريج متعلمين يجيدون تخصصاتهم وبتقديرات عالية، فدور الجامعات يتمثل في تخريج أناس متعلمين، مثقفين، وتبقى قضية التوظيف تعتمد على الحصيلة التي اكتسبها الطالب أثناء دراسته، فذوو المعدلات المرتفعة سيجدون فرصهم في العمل شأنهم شأن أي متخرج في أي بلد في العالم، أما ذوو التقديرات الضعيفة فهي تعود على الطالب نفسه، وإن كان يتصور أنه سينافس ذوي التقديرات العالية «كالممتاز، والجيد جدا» فهو مخطئ وهذا فهم خاطئ لدور الجامعة». مؤكدا على من يتخرج بتقدير ممتاز وما يزال عاطلا عن العمل «أن يتجه لمناطق أخرى غير منطقته، فهو يوظف مباشرة كمعيد للجامعة أو غيرها ولا أظن أبدا أن هناك من يحمل التقدير الممتاز ويجلس عاطلاً عن العمل وإن حصل هذا فليراجع أي شخص يحمل التقدير الممتاز أو الجيد جدا لدى جمعية حقوق الإنسان بفروعها المتعددة بالمملكة، ونحن مستعدون أن نخاطب الجهات المعنية لذلك وسيجد فرصته بإذن الله، وأما إن كانت امرأة ولا تجد فرصتها ويصعب عليها التوجه لخارج المنطقة وتحمل تقديرا عاليا، وتسكن ضمن المنطقة، فلتتوجه إلينا أو لترسل لنا على فاكس فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بجازان». أصبح الخريج عبئاً وترى أخصائية علم النفس إلهام حسن أن البطالة تؤثر سلبا على الحالة النفسية والاجتماعية للفرد، خاصة في مجتمعنا وذلك لوجود عدة اعتبارات أولها أن جميع الأهل ينظرون للتعليم على أنه عملية استثمار اقتصادي لمساعدة الأهل في الدخل الاقتصادي، وأن هذا المتعلم سيكون بالنسبة لأهله رصيدا اقتصاديا متميزا، ولكن المشكلة تبدأ عندما يضاف هذا الخريج إلى قائمة العاطلين عن العمل ولا يستطيع أن يجد فرصة عمل يقتات من خلالها أو يرد لأهله ما استنفدوه من مصروفات عليه، ومن هذا المنطلق تضطرب صورة الخريج أمام نفسه، خاصة أنه أيام الدراسة يكون ممتلئا بالطاقة والحماس، ويحتاج أن يصل في نهاية الدراسة للعمل في وظيفة معينة، ولكن هذه الأحلام تصطدم بواقع مرير، حيث يظهر الشعور بالإحباط وعدم الثقة بالنفس، والانتماء وجدوى الحياة ويزداد هذا الشعور كلما طال أمد البطالة، ومما لا شك فيه أن تأثير مثل هذا الشعور على مجتمع المتعطل هو تأثير مدمر، إذ إن الفرد العاطل الذي يشعر بأن له الحق في فرصة عمل ولم يحصل عليها لسبب أو لآخر، ليس من السهولة بمكان إقناعه بالتعاون والتجاوب مع متطلبات وبرامج التنمية في البلد، وقد تؤدي الآثار النفسية والاجتماعية للبطالة إلى ارتفاع معدلات الانتحار والإجرام. تفاقم نفسي وتضيف إلهام «إن دراسة المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب العاطل تدخل في علاقات جدلية من حيث مستوياتها السيكولوجية والاقتصادية والسياسية، فالمُعطَّل يعيش صراعا داخليا بينه و بين ذاته (بسبب ملامح المستقبل غير الواضحة)، وهذا بدوره يحرك مشاعر ووجدانيات سلبية لديه لأن هناك كثيرا من الطاقة النفسية والجسدية لم تجد لها متنفسا، إذ تؤدي حالة البطالة عند الفرد إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية كالشعور بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم، إضافة إلى أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة المالية، التي تنتج جراء البطالة. كما ثبت أيضا أن العاطلين عن العمل يغلب عليهم الاتصاف بحالة من الملل والوحدة والشعور بالغضب نحو المجتمع، إضافة إلى الشعور بحالة من البؤس والعجز. ويذكر أن عدم التوافق النفسي أو الاضطرابات الشخصية التي يصاب أو يتعرض لها الفرد نتيجة البطالة قد لا يقتصر تأثيرها السلبي على الفرد بل كثيراً ما تؤثر على أسرته أيضاً، وتبرز المشكلة الأسرية، بصورة خاصة، إذا كان الفرد متزوجاً أو عائلاً، عندها تعيش الأسرة في أجواء يشوبها التوتر النفسي والعصبي وسوء التوافق الاجتماعي. ليست المشكلة في «الآداب» وفي الدمام أوضحت عضو هيئة تدريس قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة الدمام جميلة العيسى أن بطالة الخريجات ليست حكرا أو صفة خاصة بخريجات كلية الآداب حيث إن هناك خريجات من جامعات سعودية أخرى يعانين من عدم وجود فرص وظيفية لهن. وذكرت العيسى أنها لا تتفق مع من يقول بأن هذه تخصصات لا تلبي حاجة سوق العمل فلازالت هناك العديد من المدارس بحاجة إلى مثل هذه التخصصات. دراسات واقعية وأضافت العيسى أن الدراسات الحديثة تتجه نحو الجودة التعليمية في برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم تؤكد على ضرورة تقليل الأعداد المكتظة في المدارس الحكومية بالتوسع نحو فتح فصول دراسية عديدة وفتح مدارس جديدة في مناطق عديدة تعاني من الازدحام وبالتالي الاحتياج إلى خريجات وتعيينهن فيها، من جهة أخرى أشادت العيسى بتوجه الدولة نحو فتح مجالات عمل عديدة تستوعب الخريجات، موضحة أن الفكرة القديمة نحو محدودية ونوعية الوظائف يجب أن تتغير، وبعبارة أخرى يمكن لخريجة قسم مثل التاريخ والجغرافيا واللغة العربية أن لا تعمل فقط في التعليم بل يمكن أن يستوعبها سوق العمل في مجالات وزارات الإعلام والسياحة والآثار والبلديات وغيرها من الدوائر الحكومية التي بدأت بفتح أقسام وفروع نسائية لها، وتعتقد العيسى أن المشكلة تكمن في عدم وجود خطط تنظيمية واعية لاحتياجات سوق العمل السعودي المتنامي في التنمية وبقية الاحتياجات، ورأت أن تعد دراسات واقعية تستهدف توفير فرص وظيفية تستوعب مختلف الخريجين والخريجات من مختلف التخصصات. مواهب متعددة من جهة أخرى ذكرت نورة الدوسري وهي إحدى الخريجات من قسم الرياضيات وجود طرق كثيرة تتم بها الاستفادة من الكليات الأدبية دون أن يتم إقفالها لمجرد أنها تخرج عاطلين، لافتةً إلى أن يتم التفكير بطريقة مختلفة، مضيفة أنه في كلية العلوم نحتاج أن نتعلم كثيرا من المهارات الفنية أو التقنية لشرح أفكارنا العلمية، وذلك بالتعاون بين الكليات بحيث تتخرج الطالبة ببكالوريوس في العلوم والفنون، لتخدم سوق العمل بتوفير التصاميم و الرسومات التوضيحية و تصميم الفيديو و الوسائط وبما أن أساسه علمي سيسهل عليها فهم الفكرة العلمية أيضا في العلوم والاقتصاد، وهذا مفيد في تصميم المشروعات العلمية و إجراء الحسابات و التكاليف والإدارة المالية للمشروعات المختلفة. أكثر من تخصص وتوافقها الرأي طالبة في قسم الترجمة هنادي الفهد في أنه يتم تخريج مترجمين متخصصين في المجالات العلمية، حيث إنه من الممكن أن تتيح الجامعة لخريجيها فرصة العودة للدراسة بحيث يحصل الخريج على شهادة إضافية تخدمه في سوق العمل و لا مانع أن تكون برسوم، وقالت: خلال عملي احتجت لتوسع في مجال علم الأوبئة، وهو ما قادني للعودة للجامعة للتعرف على المبادئ و طرق التطوير في هذا العلم. خيبة أمل وشرح الاختصاصي النفسي ورئيس وحدة التحفيز في مجمع الأمل بالدمام محمد المقهوي تأثر ضغوط العمل على أداء الموظف وإنتاجيته حتى إنه قد كثرت في الآونة الأخيرة الدورات والمحاضرات التي تتحدث عن ضغوط العمل وكيفية التعايش معها، موضحا أن كثيرين غفلوا الضغوط الناتجة عن البطالة أو عدم العمل خاصة مايشعر به الذين تخرجوا حديثا وبالأخص من بعض الكليات أو التخصصات التي تكون فرص العمل فيها ضيئلة مقارنة بغيرها، موضحا أن من الاحتياجات النفسية المهمة الحاجة إلى تقدير الذات وهذه من الحاجات التي تحتاج إلى إشباع ليشعر المرء بالراحة والاتزان، ومن وسائل تقدير الذات أن يشعر المرء أن له دورا يقوم به تجاه نفسه وتجاه الآخرين من حوله ويعتبر العمل أو الوظيفة بشكل عام من أهم الأسباب التي تعين على ذلك، لذلك نجد كثيرا ممن لم تتوفر لهم الفرصة للالتحاق بوظيفة مناسبة نجد أن عندهم شعورا بالنقص في هذا الجانب مما قد تترتب عليه أمور أخرى كالشعور بالإحباط وخيبة الأمل وأن كل الجهد الذي بذلوه قد ذهب سدى دون أي فائدة. صدمات مؤلمة وأشار المقهوي إلى أن البعض قد تعتريهم مشاعر القلق والخوف من المستقبل، فنجدهم دائمي التفكير في المستقبل وكيف ستكون حالهم في مقبل الأيام، والقلق من أكثر المشاعر السلبية التي قد تؤثر على المرء من الناحية النفسية وربما من الناحية الجسمية كذلك، كما أن البعض قد يتطور بهم الحال إلى الإصابة بنوبات اكتئاب تتمثل في نظرة سلبية إلى الذات وإلى المجتمع من حولهم وإلى المستقبل كذلك، وقد تظهر كذلك في صورة شكوى دائمة وخوف من المجهول وعدم شعور بالأمان إلى غير ذلك من المشاعر السلبية المحبطة، وذكر المقهوي أن أصحاب الظروف المادية الصعبة الذين كانوا يعولون كثيرا على الوظيفة التي سيلتحقون بها بعد تخرجهم يصدمون بواقع مختلف عما كانوا يحلمون به.