أحن كثيراً إلى لغة الأدب البعيدة عن الأرقام الجافة والمزعجة، ففي الأدب إبداع جماليات تحلق بالإنسان وتعلي من شأنه بينما تدخله الأرقام في العالم المادي الجاف والقاسي، ومع ذلك لابد لنا أن نعيش في الواقع بالأرقام وإن أدى ذلك إلى كل أمراض العصر، فهناك فقراء كثيرون في السعودية ألقى عليهم الضوء خادم الحرمين الشريفين في زيارته للأحياء الفقيرة عام 2003 والدراسة التي أجرتها مؤسسة الملك عبدالله لوالديه للإسكان التنموي على مناطق المملكة وأظهرت المناطق الفقيرة لدينا، وهناك خارطة الفقر التي لم تر النور واستراتيجية مكافحة الفقر التي أقرها مجلس الوزراء عام 2007، مما يعني أن هناك أعداداً كبيرة وغير معروفة أو على الأقل غير معلنة عن عدد الفقراء والمساكين، ولكن لا ينكر أحد أن هناك كمية من الفقر وأعدادا غير يسيرة من الفقراء تسعى الدولة إلى مكافحة فقرهم بالضمان وجمعيات البر والتسليف وحافز وغيرها، وفي المقابل هناك أثرياء أنعم الله عليهم ورزقهم من فضله إلى درجة أن أغنى ثلاثنين شخصية سعودية في عام 2012 يبلغ مجموع ثرواتهم 606 مليارات ريال وأن في السعودية وحدها 104.700 ثري، وبحسب التعريف فإن الثري هو من لا تقل ثروته عن أربعة ملايين ريال، وبطبيعة الحال فإن هناك أعدادا أكثر من ذلك ممن لم يتم حصرهم لاعتبارات عديدة معلومة ومجهولة، ولو قام هؤلاء الأثرياء فقط بإخراج زكواتهم وتقديم صدقاتهم لأهل البلد على رأي كثير من الفقهاء ووصلت إلى مستحقيها الفعليين لما نقص مال من صدقة ولقتلنا الفقر الذي تمنى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتله، ومن المؤكد أن هناك عدداً كبيراً من الأثرياء يقومون بأعمال البر ويؤدون حق الله ويقومون بأعمال الخير إن سراً أو على رؤوس الأشهاد والصحف أو وفق برامج منظمة ومنضبطة ومؤسسات خيرية لكن من المؤكد أيضاً أن هذا لا يشمل الجميع وإلا لاختفى الفقر، وكما قال حبيش الثقفي في طبقات الحنابلة: «قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون فأجمعوا على أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً»، ونحن نتمنى أن نراهم جميعاً صالحين حتى لا نرى فقيراً.