يقول المثل: "الشبعان يفت للجائع فتا بطيئا" لأنه لا يحس بالجوع ، ولا يشعر بالجوعى والمحرومين الذين يتدبرون وجبة ويصومون عن أخرى ، لا عن قناعة صحية ولا حمية وإنما لأنها غير متوفرة ، أو يحتاجون ثمنها لما هو أهم من ملء البطون ليلا مما يجلب الأرق والكوابيس . هذه حقيقة لا مبالغة فيها ، ولا بلاغة مني لأنني لست من أهل البلاغة ، ولا هذا بزمانهم وإنما زمن الأرقام ، وقد باتت (الأبلغ) في سطوتها ونفوذها وفتح الأبواب المغلقة . وشنف الناس آذانهم لما يقوله أهل المال ، وكما قال الشاعر (رأيت الناس منفضّة إلى من عنده فضّة).. وقول آخر (وفي الزيادة كل الناس خلاني) أما تكملة البيتين فهي من نصيب الفقراء ممن لا مال عندهم ولا فضة . هذه ليست مقدمة.. وإنما الواقع بعينه بعد أن ازداد الفقر وقوائم الفقراء المكدسة بالأسماء والأرقام لدى صناديق وبنوك التنمية الحكومية من تسليف وعقاري وغيرهما ، وعشرات الآلاف من المتزاحمين يوميا أمام أبواب وشبابيك فروع مؤسسات الإقراض الحكومية.. أما البنوك التجارية فقوائمها متشحة السواد بأسماء كثير من المقترضين ، بعد أن استغلت حاجتهم بطعوم براقة لقروض شراء عقارات وسيارات واستهلاك ، فسقط المساكين في شرك وبراثن قروض تقصم الظهر وبطاقات تضيق الخناق على رقاب مستخدميها حتى أصبحوا في بحر لجي لا يرون له شاطئا . من حكمة الله أن جعل من عباده الأغنياء والفقراء لتتكامل الاحتياجات وتستقيم الحياة بالتراحم والتكافل وفق حقوق شرعية واضحة.. لكن المعادلة اختلت كثيرا وانحرف المسار.. فالأثرياء يزيدون من ثرائهم ، فنظر إليهم من في قلوبهم مرض فسال لعابهم على المال العام وليس آخرها ما حدث من موظف بوزارة الصحة وكشفت عنه.. بينما الفقراء يزداد فقرهم ، وينتظرون غيمة استراتيجية مكافحة الفقر لتمطر بالغيث ، لكن (توها بدأت) في رسم خارطة الطريق للعلاج ويتمنون أن لا تطيل عليهم الطريق . المشكلة أن الفقر لا نعرف له مفهوما وتعريفا متفقا عليه حتى الآن.. وما هو خط الفقر الذي يجعلنا نقول : كم ألف أسرة فقيرة في بلادنا.. وكم مليون مواطن فقير.. وكم من الملايين دخلوا وسيدخلون تحت خط الفقر، في ظل غلاء فاحش وجشع متوحش لا يجد من يردعه . وحسب التقديرات المتداولة يوجد أكثر من مليوني مواطن فقير.. لكن الرقم محل تشكيك من معالي وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين.. وقطع بأنها تقديرات مبالغ فيها.. لكن دراسات غير رسمية تقول إن 20% من السعوديين تحت خط الفقر ، وهذا يعني أن الرقم أكبر إن لم يكن ضعف العدد الذي تشكك فيه الوزارة . . ولأن مفهوم خط الفقر يبدو نظريا ووهميا كخطوط الطول والعرض ، فإن الكلمة الأخيرة والفصل هي للواقع. والواقع يقول إن من كان يصنف ضمن متوسطي الدخل ممن لايملكون أرضا ولا منزلا ، وأحلامهم مؤجلة إلى أجل غير مسمى ، أصبحوا مع الغلاء وارتفاع الإيجارات وتكاليف المعيشة ضمن محدودي الدخل والفقراء.. وأصحاب التقاعد ومعاشات الضمان المتدنية هم فقراء أصلا ونزلوا تحت الخط. والواقع يقول أيضا أن العاطلين عن العمل ويشكلون عبئا على أسرهم يدخلون قوائم الفقر.. بينما أبناء الأثرياء تفتح أمامهم الأبواب ..وما قولكم في تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها المحتملة بالاستغناء عن مواطنين بالقطاع الخاص، وعليهم التزامات أسرية وديون وقروض وأقساط شهرية.. ستضعهم في أزمة وربما هم فقراء من الأساس.. ناهيك عن التخصيص الذي ستعيد هيكلة الوظائف وسيلفظ موظفين ولو بعد حين. في ظل تلك الظروف الناس اليوم تعاني ومساحة الفقر في اتساع رغم الجهود الكبيرة من الدولة.. والعلاج يحتاج شراكة حقيقية من الأثرياء والأغنياء.. فقد اتسعت الفجوة وانشغل معظم أصحاب المال بالأسهم والأرباح ، وعلى رأي واحد له وجهة نظر بطريقة مختلفة (الإيمان ضعف وتجد الواحد يؤدي الفروض الخمسة ودماغه مشغول بعشرة مشاريع). فهل بعد ذلك نتساءل لماذا ازدادت الجرائم والسرقات وتعقدت مشكلات المجتمع بفجوة الفقر والغنى ، بينما ينظر إلينا العالم بأننا من أغنى الدول طبقا لطفرة أسعار الذهب الأسود التي ولّت ، ولا يصدق أن لدينا مشكلات فقر ، وانعكاساتها التي تحتاج إلى حلول جذرية تنتشل كل فقير وتضرب الجشع وتبني مجتمعا منتجا كما يريد الوطن ، لا مستهلكا كما يريده المنتفعون وحيتان الأسهم ، وتصحيح دور البنوك نحو المسؤولية الاجتماعية ضمن أرباحها المتضخمة من أقوات المساكين . نقطة نظام / لا تشكو للناس جرحًا أنت صاحبه ..لا يؤلم الجرح إلا من به ألم [email protected]